التل يكتب: الملك وفلسطين الألم مع الأمل

{title}
أخبار الأردن -

 

محمد حسن التل
في مشهد سياسي يتحرك بسرعة، ومع تصاعد وتيرة الإعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، يبرز الدور الدبلوماسي للملك عبدالله الثاني بن الحسين كعامل حاسم في إعادة الزخم للقضية الفلسطينية على الساحة العالمية، فمنذ عقدين من الزمن، عمل الأردن بقيادته على تثبيت حل الدولتين كخيار وحيد للسلام، وجعل من الاعتراف بدولة فلسطين مطلباً ملحاً، يقدمه الملك في كل لقاء دولي وفي كل عاصمة مؤثرة.

الجهد هذا لم يكن خطابياً بقدار ما هو مساراً سياسياً متواصلاً ومتراكماً، فاللقاءات المتكررة مع قادة العالم، من البيت الأبيض إلى قصر الإليزيه وداوننغ ستريت، وكل العواصم الفاعلة وجميع المنابر الدولية، أعادت وضع فلسطين في قلب النقاش الدولي بعد محاولات مستمرة لتهميشها. ومع انعقاد مؤتمر نيويورك أخيراً، حيث أعلنت فرنسا وبريطانيا اعترافهما الرسمي بالدولة الفلسطينية وعواصم غربية متعددة، بدا واضحاً أن هذه الموجة من القرارات لم تكن منعزلة عن ضغط دبلوماسي عربي منسق كان للأردن فيه الدور الأبرز.

الملك عبدالله الثاني أدرك أن اللحظة الدولية مواتية لتحريك الملف، مستفيداً من الغضب العالمي إزاء الحرب على غزة وقدّم حججاً تجمع بين القانون الدولي والواقع الإنساني، مؤكداً أن استمرار الإحتلال يولد العنف وأن القوة لن تصنع أمناً. هذا الطرح جعل من الإعتراف بدولة فلسطين خياراً لا يتصل فقط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، بل أيضاً باستقرار المنطقة وأمن العالم.

وعلى الأرض، عزز الأردن صورته كدولة تتحرك أخلاقياً وسياسياً في آن واحد. فبينما كان الملك يقود حراكاً دبلوماسياً واسعاً لإقناع الدول المؤثرة بضرورة الاعتراف، كانت القوات المسلحة الأردنية وطواقمها الطبية تنفذ جسراً إنسانياً إلى غزة، لتجعل من الموقف الأردني أكثر إقناعاً وصدقية. هذا الربط بين الجهد السياسي والإغاثي أعطى الأردن مكانة مركزية في إدارة الملف، وأضفى بعداً عملياً على خطاباته في الأمم المتحدة.

النتائج جاءت تباعاً.. اعترافات كما أشرت متسارعة من بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال، لتلتحق بها فرنسا، فيما تتحرك دول أخرى في الاتجاه ذاته. هذه الاعترافات لا تمثل مجرد مواقف رمزية، بل تحولات سياسية وقانونية تعيد رسم معادلة الصراع، وتثبت أن الجهد الأردني قادر على كسر الجمود وفتح مسارات جديدة نحو الحل.

لقد أثبتت الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك عبدالله الثاني أن المثابرة والوضوح في الموقف قادرة على خلق أثر ملموس. فموجة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين لم تكن صدفة، بل ثمرة تراكم طويل من الجهود والاتصالات، وخطوة جديدة على طريق سلام لا يمكن أن يقوم إلا على العدالة والاعتراف بالحقوق. وفي هذا السياق، بدا صوت الأردن ليس مجرد صوت داعم لفلسطين، بل محركاً رئيسياً للزخم الدولي الذي قد يفتح الباب أمام تحول تاريخي طال انتظاره.

ومع هذا الدور الفاعل، لم يخفِ الملك شعوره بالمرارة أمام ما يشهده الفلسطينيون. ففي خطابه اليوم بالأمم المتحدة، وصف ما يجري في غزة بأنه "مستوى مروع من سفك الدماء والدمار" يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية وقيم الإنسانية المشتركة. قال بوضوح إن الحروب المتكررة لا تترك للأجيال سوى اليأس والعنف، مؤكداً أن العالم يقف اليوم أمام خيارين، إما استمرار الصراع الدموي، أو سلام يقوم على حل الدولتين. هذا البعد الإنساني العميق، الممتزج بالألم والأمل معاً، هو ما يمنح التحرك الأردني زخماً إضافياً ويجعل صوته مسموعاً في كل محفل دولي.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية