نصراوين يكتب: لا للتهجير ..رسالة أردنية مصرية عربية حاسمة

{title}
أخبار الأردن -

 

في خضم التطورات الإقليمية المتسارعة، تتوالى تصريحات قادة الكيان الصهيوني حول ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وتهجير سكانها الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الحاملون للجوازات الأردنية. ولم تعد هذه الطروحات مجرد مواقف حكومية عابرة، بل غدت توجهاً سياسياً متنامياً يقوم على فرض وقائع جديدة بالقوة، تتجاوز آثارها الأراضي الفلسطينية المحتلة لتشمل دولاً مجاورة لها.

إن هذه التهديدات بالنسبة للأردن لا تمثل شأناً فلسطينياً داخلياً فحسب، بل تشكّل مساساً مباشراً بسيادته الوطنية وأمنه القومي، فضلاً عن آثارها الممتدة على المنطقة العربية برمّتها، في تجاوز صريح للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وهو ما يستدعي تحركاً استباقياً على المستويين القانوني والسياسي.

فعلى الصعيد القانوني، يمكن للأردن ممارسة الضغط في هيئة الأمم المتحدة لطلب فتوى استشارية جديدة من محكمة العدل الدولية تؤكد عدم قانونية أي إجراءات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو ضم أراضيهم وتجريمها، باعتبارها مخالفة لقواعد القانون الدولي الآمرة. وذلك على غرار الفتوى الصادرة عن المحكمة ذاتها عام 2004 بشأن الجدار العازل.

والحجج والأسانيد القانونية التي يمكن أن يستند إليها الأردن أمام محكمة العدل الدولية عديدة، أهمها أن محاولات ضم الأراضي الفلسطينية تشكّل مخالفة صريحة لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، الذي كرّسته المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، وأكدت عليه قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار (242) لعام 1967 الذي شدّد على "عدم جواز الاستيلاء على أراضٍ بالحرب"، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) لعام 1948 الذي نصّ على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وهذا يعني أن أي تهجير جديد يشكّل انتهاكاً مزدوجاً لحقوق الإنسان وللقانون الدولي.

كما يمكن للأردن الاستفادة من عضويته في نظام روما الأساسي لتفعيل المسار الجنائي الدولي، وتحريك قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد أي مسؤول إسرائيلي يثبت تورطه في التخطيط أو التهديد أو التنفيذ لعمليات التهجير القسري، وذلك استناداً إلى مبدأ المسؤولية الفردية عن الجرائم الدولية.

ومن منظور القانون الدولي الإنساني، يُعتبر التهجير القسري جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفق أحكام المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النقل الجبري أو الإبعاد الجماعي للسكان المدنيين. كما تنص المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن الترحيل أو النقل القسري للسكان جريمة ضد الإنسانية متى ارتُكب على نحو واسع النطاق أو بشكل منهجي. وبالتالي فإن أي محاولة إسرائيلية لفرض تهجير جماعي للفلسطينيين تمثل خرقاً فاضحاً لقواعد القانون الدولي الآمرة، وانتهاكاً للالتزامات ذات الطبيعة الجماعية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره لمنع وقوع مثل هذه الجرائم.

أما ثالث المسارات القانونية المتاحة أمام الأردن فيتمثل في التلويح بإعادة النظر في معاهدة السلام الموقعة مع الكيان عام 1994، إذ إن التهديدات الإسرائيلية المستمرة بالضم والتهجير تشكل خرقاً لجوهر المعاهدة وانتهاكاً لمبدأ حسن النية وقاعدة احترام الجوار، ما يبرر قانونياً إعادة النظر في استمراريتها، سواء بإلغائها أو تجميدها.

وعلى الصعيد السياسي، يستطيع الأردن الاستفادة من علاقاته العربية والإقليمية المتميزة لفضح السياسات الإسرائيلية التوسعية، من خلال الاستمرار في تدويل القضية الفلسطينية باعتبارها نزاعاً يهدد السلم والأمن الدوليين. ومن المتوقع أن يستثمر جلالة الملك حضوره على منبر الأمم المتحدة في افتتاح دورتها السنوية القادمة لتوجيه خطاب حازم يفضح السياسات الإسرائيلية ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية.

كما يمكن للأردن بناء جبهة عربية وإقليمية مشتركة ترفض أي مشاريع تهجير أو ضم، وتؤكد أن هذه التهديدات لا تمس الأردن وحده بل النظام الإقليمي بأسره. وإلى جانب ذلك، فإن استثمار صفته الدولية كوصي على المقدسات الدينية في القدس يشكل ورقة ضغط قانونية وسياسية، تؤكد أن أي تغيير في الوضع القائم في المدينة يُعدّ خرقاً لالتزامات دولية تجاه الأردن ودوره التاريخي.

ولا يقتصر واجب المواجهة على الأردن منفرداً، بل يتعين على المجتمع الدولي، بموجب التزاماته القانونية والأخلاقية، أن يصدّ أي محاولات للضم أو التهجير باعتبارها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي. فالمسؤولية هنا ليست محصورة بالدول المتضررة مباشرة، وإنما هي مسؤولية جماعية تستدعي موقفاً موحداً من الأسرة الدولية لحماية السلم والأمن العالميين.

إن إصرار الأردن على استخدام أدوات القانون الدولي، مقروناً بتحركات سياسية نشطة، يشكل أداة ردع استباقية تحول دون إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها. فكلما اتسعت دائرة الدعم الدولي للموقف الأردني، ازدادت كلفة أي مغامرة إسرائيلية، وأصبح من الممكن تحويل التهديد إلى فرصة لإعادة إحياء المرجعيات القانونية والشرعية للقضية الفلسطينية.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية