حياصات يكتب : "الكركعة تمشي... فهل تعرف الدولة إلى أين؟"
أ.د. علي حياصات
في الذاكرة الشعبية الأردنية، تمثل "الكركعة" كائنًا زاحفًا بطيئًا، صلبًا من الخارج، وغامضًا من الداخل. وهذا التشبيه يبدو ملائمًا لوصف المشهد السياسي الأردني؛ حيث تستمر الحركة، لكن بلا تسارع، والقرارات تتخذ بحذر، والخطى مدروسة، بينما تظل النهايات غامضة أو مؤجلة.
الإصلاح السياسي هو المثال الأبرز على هذا الزحف المتردد. سنوات من اللجان والحوارات والأوراق، لكن النتائج غالبًا ما تدور في حلقة مفرغة. هذا النهج، وإن فُهم في سياق إقليمي شديد التعقيد، إلا أنه داخليًا يفرز فتورًا وفقدانًا للثقة بإمكانية التغيير.
وهذا البطء، الذي بات سمة عامة في معالجة الملفات الكبرى، لا يقتصر على مسار الإصلاح السياسي فقط، بل يتكرر اليوم في ملفات أخرى حساسة كقضية الشباب وإعادة خدمة العلم.
ففي هذا السياق، عاد الحديث عن تفعيل خدمة العلم، باعتبارها وسيلة لـ"بناء الشخصية والانضباط". طرح الصحفي سمير الحياري تساؤلات مشروعة حول هدف القرار: هل هو حل حقيقي لمشاكل الشباب؟ أم وسيلة لإدارة الإحباط والبطالة في غياب سياسات شاملة؟ لم تُقدّم الحكومة حتى الآن سردية مقنعة أو رؤية واضحة تجيب على هذه الأسئلة، ما يعكس غياب تصور حقيقي لدور الشباب في حاضر الدولة ومستقبلها.
الخطر هنا لا يكمن في خدمة العلم بحد ذاتها، بل في أن تُستدعى كبديل عن إصلاح أعمق. فالعقول الشابة اليوم لا تقبل بحلول شكلية، ولا ترى في الانضباط العسكري تعويضًا عن غياب الحريات وفرص العمل والمشاركة السياسية.
صحيح أن الدولة الأردنية تتمتع بظهر مؤسسي صلب، وهو عنصر قوة واستقرار لا يمكن إنكاره، لكن هذا وحده لا يكفي للبقاء. فالبقاء بلا عدالة ولا شراكة يعني الجمود، لا الثبات. وما تحتاجه الدولة اليوم ليس التخلي عن الحذر، بل تجاوز الحذر إلى مشروع إصلاحي واضح المعالم.
الكركعة لا تزال تمشي، بظهر يحميها، لكنه بحاجة إلى عقل يوجهها. المواطن الأردني، الذي يلامس الطريق كل يوم، يحتاج إلى أن يكون جزءًا من الوجهة، لا مجرد راكب على ظهر لا يملك توجيهه. فالبقاء ليس غاية في ذاته، بل يجب أن يكون مشفوعًا برؤية، وعدالة، وثقة بأن الطريق لا يُرسم إلا بمشاركة الجميع.

