صيام: إدارة ترامب الأكثر صهيونية بالتاريخ. وتصريحاته تشرعن الإبادة
وصف أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن، الدكتور عصام صيام، تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الوضع في غزة، بأنها "نقطة تحول خطيرة في تاريخ العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية"، مستطردًا أنها تُعبّر عن انزلاق كامل وغير مسبوق في البنية الأخلاقية للسياسة الخارجية الأمريكية، من موقع الوسيط الدولي إلى خانة المتورط الأيديولوجي في مشروع الإبادة الجماعية.
وأوضح صيام في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أن دونالد ترامب، ولأول مرة في التاريخ السياسي الحديث، لا يتصرّف كرئيس لدولة عظمى تُدير ملفات الصراع في الشرق الأوسط وفق محددات القانون الدولي أو الشرعية الأممية، فهو يتحدث وكأنه وزير في الحكومة الإسرائيلية أو حتى ناطق رسمي باسم مؤسستي الشاباك والجيش الإسرائيلي.
وبيّن صيام أن انسحاب الولايات المتحدة من مسار مفاوضات الدوحة – بتبريرات صيغت بلغة أمنية إسرائيلية خالصة – لا يُمكن قراءته إلا باعتباره خطوة استباقية لإخلاء الساحة الدبلوماسية من أي جهد تفاوضي حقيقي، يُعرقل تنفيذ الخطة الإسرائيلية المتكاملة لإنهاء غزة كمجتمع وحاضنة مقاومة، مضيفًا أن حديث ترامب بصيغة "نحن" عند الإشارة إلى التنسيق مع إسرائيل هو تعبير صريح عن وحدة الوعي السياسي، والتحوّل من التحالف الاستراتيجي إلى حالة اندماج وظيفي في المشروع الصهيوني، بمظلة أمريكية كاملة.
ورأى أن استخدام ترامب لعبارات مثل "تسوية غزة بالأرض" و"الإبادة الكاملة لحماس" يُعد بمثابة تحريض مباشر على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، قائلًا: "حين يُصرّح رئيس أمريكي بأن الحل يبدأ بمحو غزة، فإننا أمام خطاب يُمأسِس للعنف المطلق، ويُوفّر غطاءً شرعيًا مزيفًا للإبادة الممنهجة".
وفي معرض تحليله للمواقف الأردنية الرافضة لخطط التهجير، كشف صيام أن "ترامب، حاول تمرير مقترح رسمي إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ينصّ على استقبال نحو نصف مليون فلسطيني من غزة، وإعادة توطينهم في منطقة الأزرق"، مشيرًا إلى أن "الرفض الأردني، الذي عبّر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني بصرامة، شكّل حينها أحد العوائق الرئيسية أمام تنفيذ هذا المشروع الذي يتقاطع مع ما يُعرف بصفقة القرن".
وأوضح أن "رد الفعل الأردني لم يكن مجرد تحفظ دبلوماسي، بقدر ما كان موقفًا سياديًا حاسمًا ينبع من إدراك عميق بأن المساس بالحق الفلسطيني في الأرض يُهدّد بنية الاستقرار الإقليمي برمّته".
وحول ما وصفه بـ"الوجه العسكري للغطاء الإنساني"، أشار صيام إلى أن إدارة ترامب رعت بشكل مباشر إنشاء ما يسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تولّت – وفق خطط عسكرية مموّهة – تنسيق عمليات توزيع المساعدات في المناطق المنكوبة، وذلك بالتزامن مع وصول وحدات من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، في خطوة تمويهية قال إنها "تمثل نوعًا متطورًا من الحروب الإنسانية الزائفة، التي تُستغل لتحديد أهداف بشرية على الأرض، وتصنيف المناطق حسب قابليتها للاجتياح أو القصف الجراحي.
وأضاف: "ما سُجّل من حالات قتل للمدنيين أثناء اصطفافهم في طوابير المساعدات يؤكّد أن واشنطن لم تكن تُقدّم الغذاء بقدر ما كانت تُشارك في مراقبة ميدانية لأداء المقاومة، ورصد البُنى التحتية للسكان، تمهيدًا لإعادة هندسة القطاع على أسس أمنية استئصالية".
واعتبر صيام أن دعوة ترامب الأخيرة لوقف إطلاق النار "لا تحمل أي بُعد إنساني، فهي تهدف فقط لإتاحة نافذة زمنية يتم فيها الإعلان عن اتفاق تطبيع بين إسرائيل والنظام السوري"، قائلًا إن: "ترامب لا يملك حساسية سياسية أو أخلاقية تجاه الدم الفلسطيني، وكل ما يعنيه هو صياغة المشهد الإقليمي بما يتناسب مع هواجس الأمن القومي الإسرائيلي وطمأنة اللوبي اليهودي في الداخل الأمريكي".
وأردف أن تصريحات ترامب الأخيرة حول "ضرورة القضاء على حماس"، تمثل إشارة تنفيذ صريحة لعمليات اغتيال نوعية قد تشمل قيادات من الصف الأول في الخارج، وعلى رأسهم الأستاذ خليل الحية"، مشيرًا إلى أن "الضوء الأخضر الأمريكي أعطِي صراحة لإسرائيل لمواصلة سياسة التصفيات في الإقليم، دون اكتراث بأي تبعات قانونية أو دولية.
واختتم صيام حديثه قائلًا إننا أمام لحظة سياسية فارقة، تتجاوز مفردات الانحياز والاصطفاف، لتدخل في نطاق التواطؤ الممنهج، والاندماج العقائدي في مشروع استئصال هو الأشد دموية منذ نكبة عام 1948"، مشدّدًا على أن "الموقف العربي الرسمي لا يزال دون الحد الأدنى من الفعل، وأن غياب الرد الصارم سيُفضي إلى ما هو أسوأ من الدمار المادي، وهو ما يعني تهشيم كامل لمفهوم السيادة والعدالة وحقوق الإنسان في المنظومة الإقليمية والدولية على السواء.

