الزغول لـ"أخبار الأردن": التفاوض مع إيران الآن حول الجغرافيا لا اليورانيوم

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في مركز الإمارات للسياسات الدكتور محمد الزغول، إن هناك مؤشرات دالة على تحوّل الصراع الإيراني – الإسرائيلي إلى مستوى استراتيجي بالغ الحساسية، يتجاوز حدود الحسابات العسكرية التقليدية، ليطال بنية الردع الإقليمي ذاتها، ويعيد صياغة قواعد الاشتباك السياسي والعسكري في المنطقة، وفق معادلات جديدة تنبثق من رحم التهديد النووي المتصاعد والغموض المحيط بالموقف الدولي إزاءه.

ففي وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن تأكيد طهران بأنها لن تقبل بأي اتفاق لا يضمن حقها السيادي في تخصيب اليورانيوم ضمن إطار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، يقابله إصرار تل أبيب، بدعم أميركي غير مباشر، على الاحتفاظ بحق "التدخل الوقائي"، والذي يتيح لها، وفق رؤيتها، توجيه ضربات استباقية لأي تطور نووي تعتبره تهديدًا محتملًا لأمنها القومي، وهو ما يعيد تموضع كضابط إيقاع ميداني في تحديد حدود "الشرعية النووية" داخل الإقليم.

وبيّن الزغول أن إسرائيل، تتعامل من منظور أمني استباقي، مع البرنامج النووي الإيراني باعتباره تحديًا مركزيًا لعقيدتها الدفاعية، وليس فقط مسألة تتصل بمستوى التخصيب أو طبيعة الاستخدامات، مشيرًا إلى أن الهدف الأبعد يتجاوز مجرد تعطيل أجهزة الطرد المركزي أو استهداف منشأة بعينها، ليتجه نحو صناعة بيئة إقليمية لا تملك فيها طهران القدرة على استعادة منظومة الردع، سواء على صعيد البرنامج النووي أو في إطار قدراتها الصاروخية والدفاعية الجوية.

ولفت الانتباه إلى أن تل أبيب تحتفظ لنفسها بحق تنفيذ ضربة عسكرية مستقلة ضد إيران، حتى دون الحصول على موافقة أميركية صريحة، وإن بقيت ضمن الهامش الذي يسمح لواشنطن بإدارة التوتر دون أن تنفجر جبهاته بالكامل.
وعلى خطٍ موازٍ، برز المقترح الروسي الذي كشف عنه موقع أكسيوس، والذي يتمحور حول توفير روسيا لليورانيوم المخصب بنسبة 3.67%، إضافة إلى كميات أخرى مخصبة بنسبة 20%، مقابل امتناع إيران عن التخصيب داخليًا، مضيفًا أن هذا العرض يعكس محاولة روسية لإعادة موضعة موسكو كضامن تقني – سياسي للملف النووي، وتحييد المخاوف الغربية عبر ما يُشبه "إعادة تدوير التخصيب" خارج الأراضي الإيرانية، ومع ذلك، قابل الإيرانيون هذا الطرح بالرفض، معتبرين أنه يضع سيادتهم تحت وصاية خارجية، ويعيد إنتاج معادلة "النووي مقابل الهيمنة"، وفقًا لما صرّح به الزغول لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وأردف أنه في أعقاب الضربات الإسرائيلية – الأميركية المزعومة، برزت حالة من الغموض المتعمّد حول مدى الضرر الذي لحق بالبنية النووية الإيرانية، وهو ما فُسّر من قبل خبراء في الشأن الإيراني على أنه جزء من "استراتيجية غموض نووي" تستخدمها طهران لإبقاء خصومها في حالة ارتباك استخباري – استراتيجي، من جهة، ولابتزاز المجتمع الدولي سياسيًا، من جهة أخرى، عبر مقايضة الشفافية بثمن سياسي أو اقتصادي ملموس.

وتابع الزغول أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنع دخول المفتشين، ووقف بث الكاميرات، كلّها مؤشرات على أن طهران توظف حالة الغموض هذه كأداة تفاوضية ضاغطة، وليست مجرد رد فعل انفعالي على الهجوم العسكري.

من المفارقات في المشهد الراهن، أن الأطراف الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لا تزال تدفع باتجاه استئناف المفاوضات النووية مع إيران، في الوقت الذي تُصر فيه على أن البرنامج النووي قد تم تحييده عسكريًا، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول جدية التصريحات المتعلقة بتدمير المنشآت النووية، ويؤشر إلى وجود اعتراف ضمني بأن إيران لا تزال تحتفظ بقدرات تخصيب فعالة، وأن الأضرار – مهما بلغت – لم تنل من عمق البنية المعرفية والتقنية للبرنامج، وفقًا لما قاله لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وبحسب الزغلول، فإن السجال النووي تمدد ليشمل عمق الدور الإيراني في الإقليم، فالولايات المتحدة، ومن خلفها إسرائيل، تسعى إلى إعادة صياغة الدور الإيراني من خلال فرض شروط سياسية تشمل وقف دعم حركات المقاومة، وتعديل الخطاب السياسي المعادي لواشنطن وتل أبيب، وإعادة هيكلة التموضع الإيراني في خرائط النفوذ، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن.
وأشار إلى أن المشهد الإيراني – الإسرائيلي – الأميركي اليوم لا يمكن قراءته في معزل عن ديناميات أكبر، تتعلق بإعادة تشكيل النظام الإقليمي برمته، فإسرائيل، المدفوعة بمنطق تفوقها العسكري، تسعى إلى فرض معادلة ردع غير متكافئة، تجعل من أي تطور إيراني مشروعًا قابلًا للقصف، فيما تستخدم إيران فائض الغموض لرفع ثمن التفاوض، أما الولايات المتحدة، فتسير على حبل مشدود، تحاول من خلاله استثمار التهديد دون الانخراط المباشر في معركة مفتوحة.

واستطرد قائلًا إن ما يُسمى بـ"الملف النووي الإيراني" تحوّل إلى ساحة صراع جيوسياسي متعدد الأبعاد، تتداخل فيه اعتبارات الردع، وأولويات النفوذ، وتحولات السيادة، وأدوات الشرعية، وهو ما يعني أن التفاوض المقبل – إن حدث – لن يكون حول نسب التخصيب، وإنما حول حدود الدور الإيراني ذاته، في الإقليم وفي العالم.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية