الضفة في مهب الصفقة.. تحرك إسرائيلي لفرض "الواقع النهائي"
بينما تقترب العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة من مرحلة التسوية المحتملة، بدأت حكومة بنيامين نتنياهو تكثف تحركاتها لفرض ما تسميه "السيادة" على الضفة الغربية، في خطوة يرى مراقبون أنها تسعى لاستثمار اللحظة السياسية قبل اللقاء المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وسائل إعلام عبرية، أبرزها القناة 14 التي تمثل تيار اليمين القومي، أكدت وجود "توافق سياسي تام" بين وزراء ونواب الائتلاف الحكومي في إسرائيل، للمطالبة بضم أجزاء من الضفة الغربية رسميًا، تحديدًا المنطقة "ج"، قبل نهاية الدورة الصيفية للكنيست.
وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن رئيس الكنيست ووزراء الليكود وجهوا رسالة مباشرة لنتنياهو بهذا الخصوص، مطالبين بتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة.
اللافت أن هذه التحركات تأتي بالتزامن مع ما يوصف بـ"انفراجة قريبة" في ملف غزة، حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى اقتراب التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وهو ما يفتح الباب أمام تقديم "مكاسب سياسية داخلية" للائتلاف الحاكم على شكل فرض السيادة على الضفة الغربية.
إدانات عربية وغربية مبكرة
في المقابل، قوبلت التحركات الإسرائيلية بردود فعل غاضبة من عواصم عربية وغربية. فقد أدانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، بأشدّ العبارات، التصريحات الصادرة عن أعضاء في الحكومة الإسرائيلية، وآخرها ما صدر عن وزير العدل الإسرائيلي، والذي دعا إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، واعتبرت ذلك انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واعتداءً مباشرًا على حقوق الشعب الفلسطيني.
وأكدت الوزارة، في بيان رسمي، أن هذه التصريحات تمثّل خرقًا فاضحًا لالتزامات إسرائيل باعتبارها قوة قائمة بالاحتلال، واعتداءً مرفوضًا على الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس المحتلة. وأوضحت أن لا سيادة لإسرائيل على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة، السفير سفيان القضاة، إن المملكة ترفض رفضًا قاطعًا وتدين بشدة تلك التصريحات والسياسات المتطرفة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك اقتحامات المدن الفلسطينية وبناء وتوسيع المستوطنات، وهي ممارسات اعتبرها "انتهاكًا واضحًا للشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن عدم قانونية المستوطنات وبطلان ضم الأراضي المحتلة".
وحذّر القضاة من أن استمرار السياسات التصعيدية الإسرائيلية سيقود إلى تداعيات خطيرة، مشددًا على أن جميع الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة غير شرعية وباطلة قانونيًا.
ودعا السفير المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة وانتهاكاتها المتواصلة في الضفة الغربية، والعمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وضمان حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة يضمن الأمن والاستقرار.
كما حذّرت مصر من خطورة فرض "السيادة" باعتبارها تقويضًا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإجهاضًا لأي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما اعتبرت دول ومنظمات دولية هذه الخطوة انتهاكًا للقانون الدولي، وتهديدًا خطيرًا لمسار حل الدولتين، ما يضيف مزيدًا من التوتر على الساحة الإقليمية.
"غزة مقابل الضفة".. مكافأة سياسية لليمين الإسرائيلي
كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن التحرك الإسرائيلي الأخير يأتي ضمن صفقة غير معلنة، تسعى من خلالها حكومة نتنياهو إلى "بيع" فكرة إنهاء الحرب في غزة بمقابل سياسي داخلي يتمثل في ضم أجزاء من الضفة الغربية، بدعم أميركي مرتقب.
وتؤكد الصحيفة أن الفكرة تحظى بقبول متزايد لدى أقطاب حزب الليكود، الذين يرون في الرئيس ترامب حليفًا تاريخيًا قد يمنحهم "الشرعية الدولية" لتنفيذ ما فشلوا في فرضه على مدى عقود.
وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن بن غفير وسموتريتش، زعيمي حزب "عوتسما يهوديت" و"الصهيونية الدينية"، قد يقبلان بهذه الخطوة كـ"ثمن سياسي مرضٍ" لإنهاء الحرب في غزة، وهو ما قد يجنّب نتنياهو انهيار ائتلافه الحاكم.
الدولة الفلسطينية تهدد المعادلة
رغم ما يبدو من توافق داخل اليمين، إلا أن الصحيفة العبرية نفسها حذرت من أن أي طرح متزامن لفكرة الدولة الفلسطينية إلى جانب فرض السيادة، قد ينسف المعادلة بأكملها.
ففي حال ظهرت إشارات على نية إسرائيل التفاوض بشأن إقامة دولة فلسطينية، فإن الانقسام داخل الائتلاف سيتعمق، ليس فقط داخل أحزاب اليمين المتشدد، بل حتى في صفوف الليكود، الذي يضم شخصيات رافضة قطعًا لأي حل يفضي لدولة فلسطينية.
وفي ظل هذه التحركات المكثفة، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تسابق الزمن لفرض وقائع سياسية جديدة في الضفة الغربية، مستغلة انشغال المجتمع الدولي بحرب غزة، وتراهن على دعم مباشر من الرئيس ترامب، الذي لا يزال يرى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط.
لكن رياح الرفض الإقليمي والدولي، واحتمالات انفجار الداخل الإسرائيلي سياسيًا، قد تحول دون تنفيذ هذا المخطط، خاصة إذا تزامن مع طرح دولي جاد لإحياء المسار السياسي الفلسطيني.

