فوردو بعد الضربة: تحت الركام أم خلف الستار؟
في واحدة من أكثر الضربات العسكرية إثارة للجدل في العقود الأخيرة، نفذت الولايات المتحدة هجومًا مركزًا على منشآت نووية إيرانية، استهدفت مواقع محصنة وعلى رأسها منشأة فوردو الواقعة تحت الأرض قرب مدينة قم.
ورغم الزخم الإعلامي والسياسي المرافق للعملية، تشير المعطيات المتوفرة إلى أن ما حدث لم يكن سوى "ضربة إبطاء" لا "ضربة إنهاء".
صور الأقمار الصناعية تروي الحقيقة
تُظهر صور التقطتها شركة "ماكسار" لتحليل الأقمار الصناعية تحركات غير اعتيادية حول موقع فوردو قبيل الضربة، تتضمن تمركز شاحنات ومعدات في محيط المنشأة.
وبعد تنفيذ الضربة، أظهرت الصور نفسها أضرارًا سطحية دون أدلة مؤكدة على اختراق التحصينات الخرسانية العميقة أو تدمير البنية التحتية تحت الأرض، بحسب تحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست.
ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الضربة حققت "نجاحا كاملا"، فإن غياب التفاصيل الفنية الدقيقة، وصدور نفي من مسؤولين إيرانيين لحدوث أضرار جسيمة، فتح الباب واسعًا أمام التساؤلات بشأن النتائج الحقيقية للهجوم.
تضارب الروايات.. والنتيجة ضبابية
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت عدم تسجيل أي تسرب إشعاعي من المواقع المستهدفة، وهو ما يدعم فرضية أن الضربة لم تطل جوهر البرنامج النووي.
وأشارت تقارير إخبارية (مثل سكاي نيوز والجزيرة) إلى أن الضربة أبطأت المشروع النووي الإيراني دون أن توقفه فعليًا.
الخبير النووي الأميركي ديفيد ألفرايت اعتبر أن منشأة فوردو "لا تزال تدقّ كساعة نووية بصمت"، مشيرًا إلى أن الملاجئ تحت الأرض لم تُدمَّر، ما يعني أن البنية التحتية الحيوية لا تزال قائمة.
ورغم استهداف المنشآت، يرى خبراء إستراتيجيون أن البرنامج النووي الإيراني يتجاوز المكونات المادية، فهو قائم على بنية معرفية وعلمية معقدة تضم آلاف المهندسين والفيزيائيين.
وحذر الخبير ماثيو بون من جامعة هارفارد من أن الضربات قد تكون سببًا في تسريع طهران نحو الخيار النووي، بدلًا من ردعها، لاعتقادها أن "الردع النووي وحده يضمن البقاء".
وأقرّ تقرير صادر عن صحيفة إسرائيل هيوم بأن الضربة "أبطأت المشروع لعامين أو ثلاثة على الأكثر"، لكنها لم تستأصله، وهو ما يتقاطع مع تقديرات صادرة عن مؤسسات غربية تقول إن قدرات إيران الفنية ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي كفيلة بإعادة تفعيل البرنامج خلال فترة قصيرة.
من "الشفافية" إلى "الصمت النووي"
القراءة العميقة لهذا التطور توصل إلى أن إيران قد تلجأ الآن إلى تعزيز السرية حول برنامجها، والانتقال من مشروع "قابل للمراقبة" إلى آخر "مقاوم للرصد"، في ظل ما يُتداول من نية محتملة لدى طهران لمراجعة علاقتها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما الانسحاب من الاتفاقيات الدولية.
يرى بعض المراقبين أن الضغط العسكري غير الحاسم قد يدفع إيران إلى خوض معركة من نوع مختلف: لا تشتعل فيها السماء بالصواريخ، بل تُدار في صمت المختبرات وغموض القرارات السياسية.
خلاصة المشهد
ما حدث، بحسب أغلب التحليلات، لم يكن نهاية للطموح النووي الإيراني، بل بداية فصل جديد من المواجهة. فصل قد يُكتب تحت عنوان "الصمت النووي"، حيث تزداد الحجب ويُعاد رسم ملامح المشروع الإيراني بعيدًا عن الأعين، لكن أقرب ما يكون إلى نقطة اللاعودة.

