الحرب الإيرانية الإسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن
* إسرائيل تتصدر المشهد الإقليمي كلاعب أساسي يعيد رسم خريطة المنطقة على هواه
* مشروع التهجير لا يمكن أن يُفرض دون زعزعة استقرار دول الجوار
* مشروع التوسع لا يمكن أن ينجح دون تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين
* استخدام الانشغال الإقليمي بالأزمات الداخلية لتصفية قضايا وجودية تمسّ جوهر الكيان الوطني الأردني
* الأردنيون يجدون أنفسهم اليوم أمام محاولة لإسقاط مكانة القضية الفلسطينية وتحويلها إلى عبء عبر تصدير الصراع إليهم
* ما يحتاجه الأردن اليوم هو الوعي الشعبي والسياسي الموحد في مواجهة مشروع قديم يتم الآن إخراجه بحلّة جديدة
قال العميد المتقاعد من المخابرات العامة، قاسم العواقلة، إن هناك ازديادًا في المؤشرات التي تدفع باتجاه إحياء مشاريع سياسية قديمة لطالما شكّلت تهديدًا مباشرًا للمنطقة، وفي مقدمتها مشروع "الوطن البديل"، الذي يُعاد طرحه اليوم ضمن سياق سياسي وأمني غير مسبوق.
وأوضح العواقلة في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إسرائيل تتصدر المشهد الإقليمي كلاعب أساسي يعيد رسم خريطة المنطقة على هواه، مستندًا إلى دعم غربي مطلق، ومتجاهلًا وجود دولٍ وشعوب لها تاريخها وموقعها ودورها الحضاري، وماضيها الذي لا يمكن محوه، ومستقبلها الذي يُراد مصادرته.
وبيّن العواقلة أن التصريحات المتكررة الصادرة عن قادة الاحتلال الإسرائيلي، والمتماهية مع سياسات عملية على الأرض، باتت تعكس بوضوح تبنيًا فعليًا لمشروعين متكاملين من حيث المضمون وخطيرين من حيث الأثر: أولهما توسيع رقعة الدولة الإسرائيلية على حساب أراضي دول الجوار، بما في ذلك الأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق، وثانيهما تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، في محاولة لإسقاط حقهم في العودة وتحويل الأردن إلى "الوطن البديل".
ورغم ما يبدو من تناقض ظاهري بين هذين المشروعين، فإن التمعن في طبيعة الفكر الصهيوني المتطرف، الذي تغذيه أيديولوجيات الإقصاء والاستيطان، يكشف عن تلازمهما في التنفيذ، فمشروع التهجير لا يمكن أن يُفرض دون زعزعة استقرار دول الجوار، ولا يمكن لمشروع التوسع أن ينجح دون تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن ما تشهده المنطقة منذ السابع من تشرين الأول، تاريخ عملية "طوفان الأقصى"، وما تلاها من مجازر في غزة، وتسخين متواصل في الضفة، وتوسع التوتر على الجبهات الشمالية في لبنان وسوريا، وصولًا إلى الهجمات المتبادلة مع إيران، ما هو إلا فصل من فصول مشروع إقليمي أوسع يُدار بصمت من خلف الكواليس، فقد بدا واضحًا أن إسرائيل وجدت في هذه الأحداث المتسارعة فرصة ثمينة لتصفية فكرة الدولة الفلسطينية، وضمّ أجزاء من الضفة الغربية، والتحضير لفرض سيناريو "الترحيل الجماعي"، بحجج أمنية أو سياسية أو حتى إنسانية.
وذكر العواقلة أن الاحتلال الكامل لجبل الشيخ والجولان، وما رافقه من خطوات "غير معلنة" في الجنوب السوري، ما هو إلا تمهيد لما هو أخطر، فالزحف شرقا، ومحاولة الالتفاف جنوبًا، سواء عبر التصعيد العسكري أو بوابة التطبيع، يضع الأردن مباشرة في مرمى نيران هذا المشروع، وسط تخوّف مشروع من أن يُستخدم الانشغال الإقليمي بالأزمات الداخلية لتصفية قضايا وجودية تمسّ جوهر الكيان الوطني الأردني.
ولفت الانتباه إلى أن الرهان على الخلافات الداخلية في إسرائيل لإحداث انفراجة أو تفكك في القرار السياسي، أثبت فشله مرارًا، مستطردًا أن الاحتلال، كما أثبتت التجربة، يتفق عند اللحظة الحاسمة على "أمن الدولة" و"يهودية الدولة"، سواء اختلفت الحكومات، أو تصادمت التيارات، بل إن المظاهرات الإسرائيلية التي سبقت الحرب على غزة، واستمرت بعدها، لم تمنع من اتخاذ قرارات توسعية في الضفة الغربية، ولا من تصعيد السياسات العدوانية في لبنان وسوريا وقطاع غزة.
وأكد ضرورة قراءة دوائر القرار في الأردن لهذه التحولات جيدًا، استعدادًا لمواجهة استحقاقاته المصيرية، فالأردنيون، الذين لطالما كانوا السند للقضية الفلسطينية، يجدون أنفسهم اليوم أمام محاولة لإسقاط هذا الثقل التاريخي وتحويله إلى عبء، عبر تصدير الصراع إليهم، إلا أن ما أثبتته التجربة الوطنية الأردنية، هو أن هذا الشعب لن يقبل أن يكون بديلًا لفلسطين، ولن يسمح بأن يُزاح من مكانه في معادلة المنطقة، ولا أن يُختزل دوره بحسابات الغير.
وأردف العواقلة أن الأردن، أثبت على مدار العقود الماضية، أنه ركيزة استقرار، لا يتهاون في أمنه، ولا يساوم على سيادته، ولعل ما يحتاجه اليوم هو الوعي الشعبي والسياسي الموحد في مواجهة مشروع قديم يتم الآن إخراجه بحلّة جديدة.
وتابع قائلًا إن التحولات الجارية ما هي إلا تعبير عن صراع وجودي طويل الأمد، فالمشاريع الإسرائيلية، التي قد تبدو متفرقة، هي في الحقيقة مترابطة ومترابطة بخيط استراتيجي واضح: تفكيك المنطقة، وإعادة تشكيلها بما يتماشى مع مصالح الاحتلال وحده.
واختتم العواقلة حديثه بالتساؤل حول ما إذا كنا على أعتاب إعلان صريح لمشروع "الوطن البديل"، أم أن ما يجري هو التنفيذ الميداني له قبل الإعلان الرسمي؟

