الذنيبات: متابعة الأخبار ترفع الضغط.. والوعي يحمي شراييننا

كتب الطبيب محمد حسان الذنيبات - أخصائي أمراض وزراعة الكلى وضغط الدم:
عندما نتعرض لضغوط نفسية طويلة الأمد – مثل أخبار الحروب، القلق السياسي، أو الأرق و الخوف – فإن الجسم يفرز باستمرار هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين عبر محور HPA (Hypothalamic-Pituitary-Adrenal Axis). هذه الهرمونات تسبب انقباض في الشرايين، ورفع ضغط الدم بشكل مؤقت، لكن تكرارها المزمن يؤدي إلى تثبيت الضغط على مستويات مرتفعة. دراسة نشرت في Journal of Hypertension عام 2018 أثبتت أن الأفراد الذين يعانون من التوتر النفسي المزمن لديهم خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة 65% أكثر من غيرهم خلال 5 سنوات. و أكدت هذا دراسة أخرى نُشرت في Psychosomatic Medicine عام 2017 بأن الإجهاد العاطفي مرتبط مباشرة بتغيرات في نشاط الجهاز العصبي الذاتي وزيادة الضغط الشرياني سواء الانقباضي أو الانبساطي.
لا شك طبعاً أن متابعة الأخبار جزء من وعي الفرد والتزامه بقضايا مجتمعه وأمته، ولكن الدراسات تظهر أن التعرض المستمر للمحتوى السلبي دون تصفية أو تنظيم يؤدي إلى إرهاق عصبي و يدخل خلال ذلك نسبة من الناس في اشكالات صحية مزعجة. وهذا أظهرته دراسة واسعة أجرتها University of California عام 2020 حين اكدت أن متابعة الأخبار المروعة بشكل مفرط – مثل مشاهد الحرب أو العنف – يزيد من مستويات التوتر والضغط الدموي أكثر من التعرض المباشر للحدث ذاته. كما بيّنت دراسة نُشرت في مجلة PLOS ONE عام 2022 أن الاستهلاك المتكرر للأخبار السلبية يؤدي إلى خلل في توازن الجهاز العصبي الذاتي، وهو ما يرفع مؤشرات الإجهاد البيولوجي المرتبطة بتصلب الأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم، مثل CRP (C-reactive protein).
على أي حال، ليس المطلوب أن نعزل أنفسنا عن الواقع، بل أن نتابعه بوعي صحي لا يضر يقلوبنا و شرايينا الدموية. وهذا ما تقترحه دراسة نُشرت في Frontiers in Psychology عام 2021 في اتباع ما يُسمى "الاستراتيجية الانتقائية للمتابعة الإعلامية"، أي تحديد وقت معين يومياً لمتابعة الأخبار، وتجنب التنبيهات المستمرة، وهو ما يقلل من مستويات الكورتيزول ويحافظ على ضغط دم أكثر استقراراً. ويلتقي هذا مع توصيات الجمعية النفسية الأمريكية (American Psychological Association - APA) بممارسة تقنيات تنظيم التوتر مثل التمارين الهوائية، الكتابة التعبيرية، والتأمل الواعي (Mindfulness) – ونضيف إليها ممارسة الأذكار، الدعاء، والتأني في الصلوات والسجود – وقد أظهرت هذه الأساليب فاعلية في خفض ضغط الدم بنسب تصل إلى 10–15 خلال أسابيع قليلة. وبهذا، يمكننا أن نؤدي دورنا في متابعة الواقع – وهو واجب أخلاقي ووطني وعقدي – دون أن نُستنزف داخلياً و دائما الانشغال بما يفيد من خلال مبادرات عملية و لو بسيطة أفيد للنفس و المجتمع.
نسأل الله أن يرد كيد المعتدين الظالمين المتجبرين الذي طغوا في البلاد و اكثروا فيها الفساد