فرصة أخيرة قبل انقلاب الإقليم رأسًا على عقب

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث في مركز الإمارات للسياسات الدكتور محمد الزغول إنه في سياق متصاعد من التجاذب النووي، تقدّمت الإدارة الأمريكية بمبادرة وُصفت بأنها "مقترح الفرصة الأخيرة" لتسوية الخلاف مع طهران بشأن ملف تخصيب اليورانيوم، محذّرة من "عواقب وخيمة" حال رفض المقترح.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن
الإلكترونية أن المبادرة تقضي بالسماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67%، ضمن إطار تحالف دولي مشترك يضمّ قوى إقليمية ودولية، بما في ذلك السعودية، والإمارات، وعمان، إلى جانب الولايات المتحدة التي تشارك بوصفها شريكًا ومراقبًا في آن واحد.

ورغم إعلان طهران رفضها الأولي لهذا المقترح، فإنّ صيغة الرفض بدت أقرب إلى "التحفّظ على التفاصيل" لا رفضًا قاطعًا للمبدأ، ما دفع مراقبين لوصف الموقف الإيراني بنموذج "نعم، ولكن"، أو "لا، ولكن"، وهي صيغة تكشف رغبة ضمنية في التفاوض دون تقديم تنازلات جوهرية، وفقًا لما صرّح به الزغول لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية جاءت خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية لرحيل الخميني، كإشارة صريحة على أن طهران تسعى، عبر التشدد الظاهري، إلى دفع واشنطن نحو تعديل عرضها بما لا يمس ما تُسميه "الثوابت الوطنية" في البرنامج النووي.

الرفض الإيراني... حماية للمكتسبات لا للمبادئ

ولفت الزغول الانتباه إلى أن الرفض الإيراني لم يكن مفاجئًا، بل كان متوقَّعًا، بل ومحسومًا داخل مختلف مؤسسات الدولة، سواء من قبل الحكومة الممثلة برئيس منظمة الطاقة الذرية محمد إسلامي ووزير الخارجية عباس عراقجي، أو من طرف مراكز القرار غير الرسمية والمراكز العقائدية المرتبطة بالقيادة العليا، مضيفًا أن هذا الرفض يستند إلى رؤية تعتبر أن المقترح الأمريكي يمثل عمليًا تراجعًا عن مكتسبات الاتفاق النووي لعام 2015، لا سيما ما يتعلق بحق إيران في "امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة"، وهو حق أكّد عليه الاتفاق في إطاره السلمي، مع تطبيق أشدّ أنظمة التفتيش الدولية المعمول بها عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
جوهر الخلاف: بين التخصيب الكامل والتفكيك المراقب
واستطرد قائلًا إن جوهر الإشكال يكمن في محاولة واشنطن فرض مسار يُبقي على البرنامج النووي الإيراني شكليًا، لكنه يفرغه من مضمونه الاستراتيجي، فالمقترح يقضي بإنشاء مركز إقليمي للتخصيب خارج إيران، ربما في إحدى الدول الخليجية المشاركة، الأمر الذي يقطع عمليًا "الدورة الكاملة" لتخصيب الوقود داخل الأراضي الإيرانية، ورغم أنه يمنح طهران امتياز المشاركة، إلا أن ذلك يتم تحت مظلة تحالف دولي، بما في ذلك خصوم إقليميون لها، ويخضع لرقابة مباشرة من الولايات المتحدة.

وأردف الزغول أن هذا النموذج يمنح من وجهة نظر واشنطن، إدارة الرئيس دونالد ترامب، إمكانية الترويج لاتفاق "أكثر صرامة" من اتفاق أوباما عام 2015، لكنه بالنسبة لطهران يمثل انحدارًا غير مقبول يمسّ جوهر السيادة النووية، ويهدد بتفكيك المكاسب التي تحققت بعد سنوات من العمل النووي، مثل الوصول إلى نسبة تخصيب 60% وإنتاج معدن اليورانيوم.

خيارات التعديل

وأشار إلى أن ثمة إمكانية لإعادة صياغة المقترح الأمريكي بطريقة تضمن التوافق المرحلي دون المساس بالثوابت الإيرانية، ومن أبرز المقترحات التي قد تسهم في تليين الموقف الإيراني: نقل مركز التخصيب الإقليمي إلى داخل إيران، ولكن ضمن "منطقة حرّة نووية" تخضع لإشراف دولي مباشر، وإسناد مهمة الإشراف والمراقبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدلًا من الولايات المتحدة، لضمان حيادية الرصد والمساءلة، إلى جانب التزام إيراني قانوني بالبروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الذي يتيح تفتيشًا مفاجئًا وغير محدود للمواقع النووية، وإيقاف كامل لكافة عمليات التخصيب في المواقع الإيرانية الأخرى، والاكتفاء بالمركز النووي الموحد المقترح.
تحفيزات اقتصادية مقابل المرونة الدبلوماسية

ولتأمين موافقة طهران، قد تحتاج واشنطن إلى تقديم "حوافز فورية" ملموسة، تشمل: ربط إيران بشبكة الكهرباء الخليجية لتخفيف أزمتها الطاقوية، والإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، لا سيما في قطر، وإشارات سياسية تُطمئن النظام الإيراني إلى عدم وجود نية لإسقاطه أو تقويضه داخليًا.

وتابع الزغول أن المقترح الأمريكي يُمثّل تحولًا تكتيكيًا لا يخلو من أهداف استراتيجية، إذ تسعى واشنطن إلى إدارة الملف الإيراني لا حله جذريًا، بينما تحاول طهران، من جهتها، كسب الوقت، وتثبيت شرعيتها النووية دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة، وبين الضغوط والعروض، يبقى مستقبل البرنامج النووي الإيراني رهينًا بمدى قدرة الطرفين على تجاوز المعادلة الصفرية.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية