تهدئة مقابل تهجير... قراءة في الأبعاد غير المعلنة للإفراج عن عيدان ألكسندر
قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن الاتفاق غير المباشر بين حركة حماس والإدارة الأمريكية – والمتمثل بالإفراج عن الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر – يفرض نفسه باعتباره ترتيبًا موضعيًا ذا طابع وظيفي ومحدود الأثر، لا يمكن اعتباره، بأي حال من الأحوال، نقطة انعطاف استراتيجية، أو تحولًا جوهريًا في التوازنات الإقليمية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الاتفاق، لم يأتِ ثمرة مفاوضات سياسية مكتملة البُنية، وإنما كنتاج لاعتبارات وظيفية آنية، أرادت من خلالها واشنطن منح الرئيس دونالد ترامب مكسبًا إعلاميًا يُدرَج ضمن سردية "القوة والإنجاز" التي يسعى لترويجها في أوساط ناخبيه المحافظين، وفي المقابل، حصلت حماس على شرطين اثنين، يعكسان في جوهرهما تفاهمًا اضطراريًا أكثر من كونه شراكة سياسية ندية.
وبيّن الرداد أن الشرط الأول يتمثل في السماح بإدخال المساعدات الإغاثية إلى جنوب القطاع – وتحديدًا إلى رفح – ضمن خطة أميركية - إسرائيلية مدروسة تتضمن إنشاء ثلاثة مراكز توزيع رئيسية، صُممت بعناية لاستقطاب سكان شمال غزة المنهكين، ودفعهم طوعًا - أو قسرًا مبطنًا - باتجاه التمركز جنوبًا، مضيفًا أن هذه المساعي الإنسانية - الديمغرافية لا تترك مجالًا للعودة شمالًا، وإنما تُمهّد فعليًا لخيار واحد، ألا وهو الهجرة أو التهجير الناعم، ما ينسجم، على نحو مقلق، مع التصورات الإسرائيلية حول "إعادة هيكلة القطاع جغرافيًا وسكانيًا".
أما الشرط الثاني، فيتعلّق بـ ضمانات أميركية – وليست إسرائيلية – تتعلق بسلامة القيادة السياسية والعسكرية لحركة حماس، إلى جانب موافقة مبدئية على إدارة القطاع عبر هيئة فلسطينية تكنوقراطية ذات طابع غير فصائلي، تُمهَّد لها لتكون البديل الانتقالي المؤسسي، قبل إعادة إدماج القطاع ضمن المشروع السياسي الرسمي الذي تمثله السلطة الوطنية الفلسطينية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه الرداد إلى أن تصوير ما جرى على أنه "صفعة موجعة" لنتنياهو، أو "انتصار رمزي" لحماس، يُعد مبالغة غير مؤسسة، لا تختلف كثيرًا عن الخطاب الاحتفائي المتخم بالشعارات الذي طالما روّجه محور الممانعة، مستطردًا أن هذا الخطاب – الذي ظهر مجددًا في تصريحات قادة حماس من طهران، وتجلّى في مشاهد توزيع الحلوى في بعض البرلمانات العربية – يعيد إلى الأذهان ذات النغمة التي صاحبت انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، حين ادّعى حزب الله أنه انتزع النصر الكامل، بينما استمرت إسرائيل آنذاك في إعادة تموضعها وفرض وقائع ميدانية جديدة.
وأردف أن جوهر المشهد لا يكمن في صفقة رهائن، وإنما في محاولات أميركية مستمرة لإعادة ضبط المشهد الفلسطيني وفق منطق "إعادة توزيع الفاعلين" لا قلب الطاولة، فواشنطن لا تزال تعتبر أن السلطة الفلسطينية – رغم كل مآخذها – هي الإطار الشرعي الوحيد القابل للاحتواء والتوظيف ضمن معادلة الحل السياسي، لا سيّما وأنها الكيان الوحيد المعترف به دوليًا والممثل نظريًا للهوية السياسية الفلسطينية.
وحذّر الرداد من أن التقاطع المرحلي بين حماس وواشنطن لا يعدو كونه ترتيبًا عابرًا، لا يمكن البناء عليه في سياق سياسي مستدام، كما أن كل حكومة إسرائيلية – بغض النظر عن اتجاهها الأيديولوجي، سواء كانت يمينية متطرفة أو وسطية براغماتية – ستجد نفسها، آجلًا أو عاجلًا، مضطرة للعودة إلى التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل السياسي المُعترف به دوليًا، والمرجعية الوحيدة الممكنة لأي مشروع تسوية، بغض النظر عن هوية من يقودها، سواء كان الرئيس محمود عباس أو خليفته المرتقب.
وتابع أن الهجوم المتبادل من قبل حماس وإسرائيل على السلطة الفلسطينية يعد دليلًا على إدراك الطرفين لخطورة مشروعها السياسي، بوصفها العنوان الشرعي للكيانية الفلسطينية، ما يجعل استهدافها هدفًا مشتركًا بين طرفين متخاصمين ظاهريًا، متقاطعَين ضمنيًا في إضعاف مرجعية المشروع الوطني.

