العثامنة يكتب: الأشجار التي تمشي
مالك العثامنة
بعيدا عن السياسة والأحداث الراهنة "المتوالدة" والأزمات في كل العالم، هربت إلى عالم الرواية وكان اختياري في عطلة نهاية الأسبوع رواية الكاتب المصري علاء الأسواني وعنوانها الغريب "الأشجار تمشي في الإسكندرية".
العنوان غريب وغير جاذب، لكن الأصدقاء الذين قرأوا الرواية أكدوا على جودتها وأن العنوان "الغريب" سيصبح لافتا جدا ومعبرا في منتصف الرواية.
الرواية تنتقد الحقبة الناصرية بشدة، وتتحدث عن الإسكندرية الوادعة ومتعددة الثقافات وهي التي راقبت بنخبها وناسها ثورة العسكر في يوليو 1952 بحذر ناعم.
في حوار مهم بين شخصيتين من الرواية : أنس الفنان المرهف والمتمرد وصديقته الإسكندرانية ليدا ذات الأصول اليونانية ، كان الاقتباس التالي الذي يوضح فكرة العنوان، بطريقة معبرة جدا، وهما يتحدثان عن بداية ملامح تغول الحكم الاستبدادي بعد ثورة يوليو.
يسأل أنس ليدا:
- هل سمعت عن زرقاء اليمامة؟
- لا
- زرقاء اليمامة امرأة عربية عاشت قديماً. كانت معروفة بقوة بصر خارقة وكانت قبيلتها تستعملها لاستطلاع تحركات الأعداء. بفضل بصرها الخارق كانت تكشف تحركات الأعداء مبكراً مما جعل قومها ينتصرون في كل حروبهم. وذات يوم استطلعت زرقاء اليمامة الطريق وقالت لقومها: "إني أرى الأشجار تمشي".
فلم يصدقها أحد. سخر الناس منها واتهموها بأنها كبرت وخرفت ثم تبين بعد ذلك أن الأعداء غطوا أنفسهم بغصون الأشجار وهجموا على قومها وهزموهم وكانوا يستحقون الهزيمة لأنهم لم يصدقوا زرقاء اليمامة. الفنان مثل زرقاء اليمامة، يبصر دائماً قبل الآخرين.
ابتسمت ليدا وقالت:
- وأنت ماذا ترى الآن أيها الفنان؟
قلت:
- الأشجار تمشي في الاسكندرية...
( انتهي الاقتباس).
الفكرة واضحة، وهي تتحدث عن أن أنس الفنان، ينظر بعين الريبة إلى ثورة يوليو ولا يصدق خطاباتها "المثالية" التي تحاول احتواء العامة من الناس بدغدغة مشاعرهم واستقطاب ولاءاتهم.
كان أنس يوضح لليدا صديقته أنه يرى الأشجار تتحرك، مما يعني أن هناك ما يريب في المخفي بين تلك الأشجار، والذي يحمل خطرا وشيكا.
استوقفتني تلك الاستعارة الجميلة للقصة التراثية "الأسطورية طبعا"، وهو ما جعلني أفكر كثيرا في الأحداث الأخيرة التي نعيشها في المشهد السياسي الأردني مثلا.
طوال سنوات، كان كثيرون منا ينبهون ويحذرون من "الأشجار التي تمشي" في عمان والأردن. كان الرد سخرية وانتقادا وهجوما شرسا بل يصل إلى حد التكفير في كثير من الأحيان.
مؤخرا، ربما نكون أدركنا فعلا أن الأشجار كانت تمشي فعلا من حولنا وبيننا.

