أحمد عوض يكتب: لماذا بقي النمو الاقتصادي في الأردن بطيئا منذ عقد ونصف؟
أحمد عوض
منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008، لم ينجح الاقتصاد الأردني في تجاوز حاجز النمو البطيء، إذ بقيت معدلات النمو السنوية تراوح بين 2 و2.5 بالمائة، في أحسن الأحوال تقترب من 3 بالمائة، وهي مستويات غير كافية لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل أو لتحسين مستويات المعيشة
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: لماذا بقيت هذه الحالة من التباطؤ الاقتصادي مستمرة طوال هذه المدة، رغم مرور أكثر من عقد ونصف على الأزمة المالية العالمية؟
الإجابة عن هذا التساؤل متعددة الأبعاد، إلا أن هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين الأردنيين والدوليين المتابعين للشأن الأردني على أن الأسباب التي تنقسم إلى خارجية وداخلية، رغم اختلاف التشخيصات حول الوزن النسبي لكل منها تبعا لزاوية الرؤية التي يتم من خلال النظر الى الديناميات الداخلية والخارجية للاقتصاد الوطني، وتبعا لمصالح القوى الاقتصادية المختلفة ونفوذها في تحديد أولويات السياسات الاقتصادية.
فعلى الصعيد الخارجي، لا يمكن إنكار أن الظرف الإقليمي والدولي أسهم بشكل كبير في زيادة الضغوط على محركات النمو. استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتوسعه، وخلقه حالة من الارباك في المشهد الإقليمي، والنزاعات في الجوار، وأزمات اللجوء، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وتغيرات أسعار الطاقة والغذاء، جميعها فرضت بيئة غير مستقرة وغير جاذبة للاستثمار. كما زادت حالة عدم اليقين التي تعيشها المنطقة من عزوف المستثمرين المحليين والأجانب عن ضخ أموالهم في مشاريع طويلة الأمد داخل الأردن.
ومع ذلك، فإن الموقع الجيوسياسي للأردن شكل من ناحية أخرى فرصة ثمينة، إذ أسهم في تدفق مساعدات مالية وفنية من دول مانحة ومؤسسات دولية. هذه المساعدات كان من الممكن أن تُوظّف كأداة لتحقيق قفزة تنموية، إلا أن الفرصة ضاعت إلى حد كبير بسبب عوامل داخلية متقاطعة ومتراكمة.
فعلى المستوى المحلي، لعبت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة أدورا محورية في استمرار هذا التباطؤ، فقد تم الاعتماد بشكل كبير على فرض الضرائب غير المباشرة، وخاصة ضريبة المبيعات والضرائب المقطوعة والرسوم على اختلاف أنواعها، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما انعكس سلبا على الطلب الاستهلاكي المحلي؛ أحد أبرز محركات النمو في أي اقتصاد.
كما أن استمرار اعتماد سياسات الأجور المنخفضة في معظم القطاعات، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة، أثّرا سلبا على الاستهلاك والاستثمار. لم تُبذل جهود جدية لإعادة هيكلة الاقتصاد أو لتحفيز القطاعات الإنتاجية، بل تمسكت الحكومات بسياسات تقشفية ضمن التزاماتها مع صندوق النقد الدولي، مما زاد من الضغط على السوق المحلي.
اليوم، وبعد مرور ما يقارب عقدين على بداية التباطؤ، أصبحت نتائجه واضحة للعيان: معدلات بطالة مرتفعة، وفقر آخذ في الاتساع، واتساع التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية وتراجع ثقة المواطنين في قدرة الاقتصاد على توفير حياة كريمة.
وللخروج من هذه الحلقة المفرغة من النمو الضعيف، لا بد من مراجعة جدية وشاملة للسياسات الاقتصادية، تركز على تحفيز الطلب المحلي، وتقديم تسهيلات للقطاعات الإنتاجية، وتبني سياسات مالية مرنة لا تكتفي بإرضاء المؤسسات الدولية، بل تنطلق من الواقع المحلي واحتياجاته. فالمحفزات التي بيد الحكومة، إذا أُعيد التفكير بها بجرأة، قادرة على تحريك عجلة النمو، وتوفير فرص العمل، وفتح آفاق جديدة أمام المجتمع الأردني.

