خفايا اختيار نائب رئيس عبّاس

{title}
أخبار الأردن -

 

قال مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إن تسمية حسين الشيخ نائبًا لرئيس اللجنة التنفيذية تندرج بوصفها حلقة مفصلية ضمن سلسلة تحوّلات ما دون دستورية، تسعى لإعادة إنتاج منظومة الحكم وفق مرتكزات فوقية لا تستند إلى الشرعية الشعبية أو التوافق الوطني، بقدر ما تنبع من اعتبارات سلطوية محضة، تستهدف إعادة تموضع مراكز النفوذ ضمن فضاء سياسي مأزوم ومفتقر لأدنى شروط التمثيل الديمقراطي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه لا يمكن النظر إلى هذا التعيين بوصفه إجراءً إداريًا محضًا أو نتيجة طبيعية لتداول مؤسسي داخلي، بقدر ما ينبغي فهمه كنتاج مباشر لمسار طويل من التآكل المتدرج للشرعيات السياسية والتنظيمية، حيث تمّ تهميش البنى التمثيلية التقليدية - وفي مقدمتها المجلس الوطني الفلسطيني - لصالح منظومة مغلقة من القرار النخبوي، تتحرك وفق منطق الوصاية السياسية والتفويض الذاتي، متجاوزة بذلك جوهر الفكرة التي قامت عليها المنظمة بوصفها إطارًا جبهيًا شاملاً يعكس الإرادة الجمعية للفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن موقع نائب الرئيس لا يتضمن، من الناحية الشكلية، صلاحيات تنفيذية مباشرة أو تفويضًا تلقائيًا بخلافة الرئيس، إلا أن توقيت التسمية، وملابساتها غير الشفافة، وطبيعة الشخص المعيّن، جميعها عوامل تشير إلى وجود نية مضمرة لترتيب بيت القيادة من الأعلى إلى الأسفل، وبصورة تضمن انتقالًا سلطويًا ناعمًا يُبقي على المنظومة القائمة دون إحداث تغييرات بنيوية جوهرية في فلسفة الحكم أو بنيته المؤسسية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر الرنتاوي أن حسين الشيخ، بصفته أحد أبرز أركان الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس محمود عباس، وكونه مسؤولًا عن ملف "الشؤون المدنية" الأكثر تماسًّا مع منظومة التنسيق الأمني والاتصال المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، قد جرى تقديمه - بحكم الواقع أكثر منه بحكم القانون - كمرشّح توافقي داخل دوائر السلطة، وإن كان توافقًا نخبويًا مغلقًا، لا يعكس بحالٍ من الأحوال أي إجماع وطني أو تفويض شعبي، مضيفًا أن هذا التعيين، في جوهره، يعكس منطق التوريث البيروقراطي النابع من رحم البنية السلطوية ذاتها، والذي يتغذّى على الغياب المزمن للمؤسسات المنتخبة والإقصاء المنهجي للقوى السياسية والاجتماعية خارج دائرة القرار.

ونوّه إلى أن هذه الخطوة تُعد تجسيدًا صارخًا لحالة اختزال المنظمة في بُعدها الإداري، وتفريغها من مضمونها التحرري والكفاحي، حيث لم تعد تعبّر -وفق هذا المنظور- عن مجمل الطيف الفلسطيني داخل الوطن والشتات، وإنما أضحت أداة وظيفية في يد السلطة تُستدعى عند الحاجة، وتُفعَّل وفق مقتضيات اللحظة السياسية، لا بناءً على منطق التمثيل أو التداول أو الشراكة الوطنية.

وفي هذا السياق، تبرز إشكاليتان مركزيتان: أولاهما تتعلق بالمسألة الإجرائية، حيث تمّت التسمية دون الرجوع إلى المجلس الوطني أو عقد دورة له، ما يشكّل خرقًا صارخًا للنظام الأساسي للمنظمة ويضعف ما تبقى من شرعيتها الشكلية، أما الإشكالية الثانية، فتتمثل في البعد السياسي - الرمزي لهذا التعيين، والذي يُراد له أن يُرسي معادلة انتقال سلطوي محسومة سلفًا، خارج منطق التوافق الوطني أو إعادة التأسيس الديمقراطي للمنظمة كمرجعية عليا للشعب الفلسطيني، كما ذكر.

واستطرد قائلًا إن ما يجري لا ينفصل عن مجمل التوجهات الساعية إلى صياغة مرحلة "ما بعد عباس" وفق قواعد استمرارية النظام القائم، لا تغييره، وهو ما يعني عمليًا ترسيخ نمط من الحكم الشخصاني الذي يُعيد إنتاج ذاته من خلال النخبة ذاتها، وآلياتها ذاتها، بعيدًا عن مساءلة الجماهير أو استحقاقات المصالحة الوطنية أو استعادة الوحدة المؤسسية.

وأردف الرنتاوي أن خطورة هذه اللحظة تكمن في أنها تؤشّر إلى تحوّل نوعي في وظيفة المنظمة من كيان كفاحي جامع إلى جهاز إداري تابع، وهو ما يتطلب بالضرورة مراجعة شاملة وعميقة لبنية النظام السياسي الفلسطيني، وتحديدًا فيما يتعلق بمصادر شرعيته، وآليات تشكله، وحدود وظيفته.

وتابع أن السبيل للخروج من هذا الانسداد التاريخي لا يأتي إلا من خلال إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني على أسس ديمقراطية وتشاركية، تُفضي إلى إعادة بناء منظمة التحرير وفق صيغة جديدة تستجيب للتحوّلات السياسية والاجتماعية، وتعيد إشراك قوى الشتات، وتستوعب التيارات المغيبة قسرًا من المشهد، وعلى رأسها حركات المقاومة، بما يكفل إعادة تعريف المنظمة كإطار تحرري جامع، لا كذراع إداري لسلطة محاصَرة ومفككة الشرعيات.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية