من يقفز أولًا إلى طاولة ترمب... سوريا أم خصومها؟
قال الباحث في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي الدكتور كمال الزغول إن المقاربة السورية الرسمية مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة تموضع استراتيجي عاجل، قوامه تكثيف الانخراط الدبلوماسي النشط مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن استمرار الركون إلى أدوات الخطاب التقليدي أو الانشغال بملفات ثانوية، لا يعدو كونه إسهامًا غير مباشر في تعقيد المشهد السوري وتعطيل مسار استعادة وحدته السياسية والجغرافية.
وبيّن الزغول أنه لا يمكن إغفال أن إدارة ترمب، رغم ما يعتريها من اضطرابات داخلية وتحديات متفاقمة، إلا أنها لا تزال تُمثل نافذة حيوية ينبغي التفاعل معها بمرونة سياسية وواقعية استراتيجية، فالرئيس الأمريكي ذاته، وبفعل كثافة خصومه وتصاعد الضغوط الداخلية ضده، بات أكثر قابلية للتأثر بالعلاقات المباشرة والرهانات الدبلوماسية الذكية.
ومن هذا المنظور، فإن استثمار الظرف الراهن قبل انتهاء ولايته أو احتمالية خروجه المفاجئ من المشهد السياسي، يُعد بمثابة ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار ظرفي، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر الزغول أنه لا يمكن فصل هذا الاستحقاق عن ضرورة بناء شراكات عملانية مع القوى المؤثرة في المعادلة الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا والمملكة العربية السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة، فهذه الدول تُشكّل ما يمكن وصفه بـ"المثلث المحوري الفاعل"، الذي تمسك أطرافه بمفاتيح التوازنات العسكرية والسياسية في الإقليم، بل وتُعيد رسم خرائط النفوذ على أسس جديدة قد تتجاوز المألوف والمعتاد.
ولفت الانتباه إلى أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية، والتي ركّزت على ما تبقى من مقار النظام السابق، تتبدّى بوصفها محاولة مبيتة لـ"تأطير الشرعية" أمام الحلفاء الغربيين، وتبرير أي تصعيد محتمل تحت مظلة الاستباق الأمني، غير أن هذا التصعيد، إذا ما تُرك بلا احتواء سياسي ودبلوماسي، قد ينزلق بالمنطقة نحو سيناريوهات غير محسوبة العواقب، خصوصًا في ظل تباين المواقف داخل المكونات الاجتماعية السورية نفسها، على غرار الانقسام الدروز حول المساعدة الإسرائيلية.
ونوّه الزغول إلى أن الإقالة المفاجئة لمايك والتز من منصب مستشار الأمن القومي، لا تقرأ فقط من زاوية الخلافات الإدارية، ذلك أنها تفصح عن صراع ضمني داخل أروقة القرار الأمريكي، بين تيار يدفع نحو الحسم العسكري تجاه إيران، وتيار آخر – يتمثل في ترمب – يُفضل الإبقاء على المسار التفاوضي مفتوحًا، بانتظار ما قد تُفضي إليه المبادرات الدبلوماسية، وقد كشفت بعض التقارير أن والتز كان على اتصال مباشر بنتنياهو، ويعمل خلف الكواليس على تسريع قرار الضربة العسكرية، ما يتناقض جذريًا مع تفضيلات الرئيس الأمريكي الذي يرى في المفاوضات أداة لاستنزاف الخصم دون انزلاق إلى مواجهة شاملة.
واستطرد قائلًا إن مستقبل الدور السوري في الإقليم لن يُبنى عبر بيانات الشجب أو انتظار المتغيرات الخارجية، وإنما من خلال صياغة واقع جديد، يستند إلى التموضع في قلب التفاعلات الدولية لا على هامشها، مضيفًا أنه لن يتحقق دون الانخراط النشط مع القوى الثلاث المؤثرة، والانفتاح الواقعي على عقلية القرار في واشنطن، لا سيما في ظل ما تتيحه إدارة ترمب – رغم تناقضاتها – من فرص تكتيكية قابلة للبناء عليها، فالثابت الوحيد في السياسة، هو التحول. ومن يُحسن قراءته، يُحسن صياغة مصيره.

