كراجة يكتب: خطة وطنية للمراجعة
سائد كراجة
ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، هكذا وصف حسن البنا مجموعة من افراد الاخوان ممن اتهموا بالقيام بأعمال تخريبية في مصر عام 1948، بهذا الوضوح اشار إلى أن العمل قد يكون انفلاتا فرديا وليس عمًلا تنظيميًا في محاولة لحماية مشروعية جماعته في الفضاء العام!.. على الأقل حاول بوضوح أن يتبرأ من أفعال تلك الجماعة.
نسترجع هذه العبارة وقد أُعلن عن اتهام مجموعة افراد بمحاولة تصنيع صواريخ، وهذا عمل مدان ومخالف للقانون بغض النظر عن مواصفات تلك الصواريخ او مبررات صنعها، ان مسألة حمل السلاح في الدول المجاورة كانت مسؤولة عن حروب ودمار وخراب مجتمعات. الدولة هي من تحتكر حمل السلاح فقط دون غيرها ولا استثناء على ذلك.
القضية منظورة أمام القضاء، والانتصار لمفهوم الدولة الدستورية يقتضي الالتزام بالمبادئ القانونية، وفي مقدمتها أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، مع توفير ضمانات المحاكمة العادلة وفقًا للأصول القانونية. وقد تم الإعلان رسميًا عن إحالة الأمر إلى القضاء، ومما يفلج الصدر أن جميع الأطراف عبّرت عن ثقتها المطلقة بنزاهة القضاء الأردني وحياده واستقلاله. ومن هنا، تبرز ضرورة صون هذا الاستقلال، والحفاظ على حيادية القضاء، وضبط الخطاب الإعلامي بما ينسجم مع هذه المبادئ. كما ينبغي التشديد على عدم السماح باستغلال هذه القضية من قبل بعض المغرضين وخفافيش الظلام الذين يحاولون تصويرها على أنها حالة من التشظي المجتمعي أو الانقسام الداخلي، فمثل هذا التوظيف الإعلامي خطير ولا يقل خطورة عن تهريب الأسلحة أو تصنيع الصواريخ.
إن تصنيع الأسلحة أو حيازتها يُعد أمرًا مجرَّمًا بموجب القانون الأردني، ولا يجوز مناقشة نوايا من يقدم على هذا الفعل، فحمل السلاح هو من صلاحيات الدولة وحدها، ولا تُضفي النوايا، مهما بدت نبيلة، أي شرعية على مخالفة القانون. وعلى الرغم من الإقرار بأن حق الشعوب في المقاومة هو حق مقدس، إلا أن هذا الحق لا يبرر - في سياق مفهوم الدولة الدستوري- لأي فرد أن يتجاوز القانون أو يتصرف خارج إطار الدولة. ولنا في تجارب الدول المحيطة أوضح مثال.
في الأردن، يعمل الإسلام السياسي من خلال ثلاث هياكل رئيسية. الأول هو حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو حزب مرخّص وفقًا للقوانين والأنظمة النافذة، وقد شارك في الانتخابات النيابية الأخيرة وحقق نتائج معروفة. الثاني هو جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وهي جمعية قانونية معترف بها، تأسست عام 2015 من قبل مجموعة من المنشقين عن الاخوان، وتدير حاليًا عددًا من العقارات والمؤسسات التي كانت تاريخيًا تابعة لجماعة الاخوان. الهيكل الثالث هو الجماعة التي حُلت بموجب قرار قضائي عام 2020، وكانت قد سجلت جمعية خيرية قبل حوالي ثمانين عامًا.
لذلك، وبغض النظر عن الإطار القانوني الحالي للجماعة، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تتوقف عن العمل منذ تأسيسها قبل أكثر من ثمانين عامًا. وهي جماعة تمتلك هيكلًا تنظيميًا راسخًا على الأرض، يتميز بالتراتبية، والطاعة، والتعاون في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. ورغم صدور قرار قضائي بحل الجمعية التابعة لها، فإن نشاط الجماعة لم يتوقف، بل استمر بشكل واضح وتحت نظر الدولة، حيث إن حضورها الاجتماعي والسياسي ما يزال قائمًا وعلنيًا، وأعضاؤها منتشرون في مختلف المواقع، بما في ذلك بعض مرافق الدولة.
ليست المشكلة في وجود الإخوان بحد ذاتها، ولا يُدان حزب أو حركة على اجتهادها التنظيمي، أو قدرتها على الحشد، خاصة حين تستند إلى الدين وتتبنى خطابًا يقوم على «الفوقية الأخلاقية». إنما تكمن الإشكالية الحقيقية في غياب التعددية الفكرية والحزبية الفاعلة على الأرض، وهي التعددية التي كان من شأنها أن تخلق حالة من التدافع السياسي السلمي، بما يعزز مناخ التنافس الوطني، ويشكّل ضابطًا ذاتيًا للمصلحة العليا والثوابت الوطنية ويحول دون استقواء تيار على الساحة السياسية.
ما حدث يمكن اعتباره فرصة تاريخية لإعادة تعريف المشهد السياسي، وترسيم الخطوط الحمراء، وتحديد المصالح العليا للدولة، من خلال حوار وطني جاد وشامل يضم جميع الأطراف. حوار يُفضي إلى عقد سياسي وطني يُتفق فيه على مفهوم واضح للمصلحة العليا والخطوط الحمراء، يستند إلى أسس راسخة من احترام الدستور، ووحدة الدولة، والسلم الأهلي، والعمل العلني، والمشاركة في مؤسسات الدولة. ومن لا يلتزم بهذا العقد، يكون قد حكم على نفسه بالعزل السياسي. فليست هناك حاجة لإقصاء أحد، بل فقط إلى التزام الجميع بقواعد اللعبة السياسية، القائمة على خدمة المصالح العليا للوطن، وفي مقدمتها صون الدستور، واحترام القانون، والعمل من أجل منعة وازدهار البلاد. وفي هذا فليتنافس المتنافسون جنابك.

