السيناريو والحوار - والاخراج

{title}
أخبار الأردن -

د. علي النحلة حياصات

ليس من قبيل المصادفة أن يبدو المشهد تحت قبة البرلمان الأردني اليوم وكأنه مشهد درامي مُتقن من حيث الشكل، لكنه هش من حيث المضمون. فما نشهاده لا يختلف كثيرًا عن عمل مسرحي يشهد تداخلاً غير متوازن بين "السيناريو"، و"الحوار"، و"الإخراج"، وكأننا أمام حبكة صيغت على عجل لتخدم غاية واحدة: الإقصاء والتصعيد.
السيناريو المرسوم اليوم داخل المؤسسة التشريعية لا يتوافق مع مفهوم الدولة الحديثة التي نطمح إليها. نحن لا نعيش فصلاً عادياً من الرقابة البرلمانية، بل مسرحاً سياسياً يسوده الغموض، ويغيب عنه التسلسل المنطقي للأحداث. يتقدّم فيه السياسي على القانون، والاتهام على البراءة، والانفعال على الحكمة. في ظل هذا السيناريو، يتحوّل البرلمان من مؤسسة دستورية يفترض بها أن تحرس العدالة، إلى أداة ضغط وإقصاء، تنجرف أحيانًا خلف ردود الفعل الشعبية أو الحسابات السياسية الآنية.
الحوار البرلماني، أو ما يفترض أن يكون حوارًا، لم يعد يرتكز على الأدلة والاحترام المتبادل أو حتى على فكرة الاختلاف المشروع داخل الفضاء الديمقراطي. ما نشهده من مداخلات وتصريحات هو انزلاق متسارع نحو خطاب تحريضي، يُشهر التهم دون انتظار حكم قضائي. وكأن البرلمان، بدل أن يكون منارة للحوار الوطني، أصبح منبرًا لفرز "الوطني" عن "غير الوطني" بناءً على معايير تتغيّر حسب المزاج السياسي.
لغة الحوار هذه لا تفتح بابًا للحقيقة، بل تُغلقه، وتعمّق من أزمة الثقة بين الدولة والمواطن، خصوصًا عندما يشعر جزء من المجتمع بأنه يُقصى سلفًا، ويُدان قبل المحاكمة.
أما الإخراج، فهو الأكثر خطورة. إذ تُدار الأزمة بأسلوب استعراضي، تُسرّب فيه معلومات ناقصة، وتُدفع فيها جهات إعلامية أو نيابية للعب أدوار لا يجب أن تلعبها أصلًا، وكأن الهدف ليس الحقيقة، بل التأثير على الرأي العام في لحظة سياسية حرجة. هذا "الإخراج الرديء" يفرغ المؤسسات من مضمونها، ويضرب أسس التحديث السياسي الذي يقوده جلالة الملك، ويعيدنا إلى منطق الدولة الغريزية التي تتوجس من الداخل أكثر مما تتعامل بثقة مع مكوناتها.
من منطلق قومي ويساري يؤمن بالعقل والمستقبل، أجد أن ما يحدث يمثل خطرًا على مشروع الدولة الديمقراطية، لا على فصيل سياسي بعينه فقط. وهنا أؤكد مجددًا، كما فعلت سابقًا، أنني لا أتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين ولا خطها السياسي. لكن العدالة، والكرامة الوطنية، لا تُقاس بالمواقف تجاه جماعة، بل بكيفية التعامل معها حين تكون متهمة أمام القانون.
لسنا بحاجة إلى مزيد من المسرحيات، بل إلى نظام مؤسسات حقيقي يحتكم فيه الجميع إلى القانون. نحتاج إلى قضاء مستقل، وفضاء سياسي لا يُدار بعقلية "الفرز السياسي"، بل بثقة دولة تعرف أن قوتها في عدلها، لا في استعراض سلطتها.
فإذا كان هناك من خطر، فليقل القضاء كلمته دون ضجيج. وإذا كانت هناك "خلية" ، فليُعلن ذلك بعد محاكمة عادلة. أما قبل ذلك، فإن ما يجري لا يخدم إلا خصوم الدولة، ولا يزيد المجتمع إلا انقسامًا.
والله من وراء القصد.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية