"المشراف".. في الميزان
محمد عبدالكريم الزيود
إنتظرت حتى الحلقة الثلاثين تنتهي من المسلسل الأردني " المشراف" والذي عرض على شاشتنا الوطنية في شهر رمضان وقد كتبه محمود الزيودي وأخرجه شعلان الدباس وهو من إنتاج التلفزيون الأردني ، وقد قرأت كل ردود أفعال المشاهدين والقرّاء عنه على صفحات التواصل الإجتماعي والمواقع والصحف.
حقيقة الترويج الكبير للمسلسل قبل عرضه رفع سقف التوقعات عنه لدى المشاهدين، سيما أن الترويج أخذ المشاهد نحو معركة الكرامة وأنها موضع القصة، وكان هذا أول خطأ وربما كان القصد جذب المشاهدين وصناعة التشويق وبالتالي عند عرضه تفاجأ الناس أن قصة الكرامة قصة ثانوية وهامشية وليست موضع الحدث.
لقد نجح المسلسل في رصد حياة الأردنيين في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهي إحدى مراحل تطور الأردن المهمة ، سواء على تطور المجتمع الأردني ، أو نشوء مؤسسات سيادية هامة في ظل حروب وتحولات كبرى في المنطقة خاصها الأردن وليد النشأة والنمو .
هنا لا أدافع عن الكاتب محمود الزيودي فهو كاتب له سيرة ومهنية كتابية طويلة تدافع عنه ، ولكنه رصد مشاريع كبرى خاضها الأردنيين في المسلسل، مثل مشروع توطين البدو في مناطقهم ، وتقسيم الواجهات العشائرية ، وتوزيع الأراضي وتسجيلها، وتشجيع الحكومة لحفر آبار المياة ، والبدء بتحفيز ملاكي الأغنام نحو الزراعة ، وهو مشروع لتغيير نمط المعيشة للسكان ، وبناء المدارس ومنها مدارس الثقافة العسكرية ، وكذلك بناء البيوت الإسمنتية للتخفيف من تنقل البدو وإستقرارهم .
تناول المسلسل مشروع تطوير الأراضي المرتفعة في القرى الأردنية ، وهو مشروع بدءه الشهيد وصفي التل إبان حكوماته من عام ١٩٦٢ وحتى ١٩٧١، لإستصلاح الأراضي وتشجيع الناس لزراعتها وحمايتها من التجريف ، ومنحهم المساعدات والقروض والبذار ، حتى وصل أن تم تهديد ملّاك الأراضي بالعقاب ممن لم يقم بذلك، وأعتقد أن هذا المشروع الوطني كان البداية للإكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية.
إضافة أن المسلسل رصد التحولات الإجتماعية والإقتصادية للإردنيين مثل تأسيس الجامعة الأردنية ، وبدء بث التلفزيون الأردني ، وبناء المدارس، وشق الطرق نحو القرى والمدن ، وبدء تزويد القرى بالكهرباء ، كذلك قدم المسلسل مقطعا من مظاهر حياة الأردنيين في تلك الفترة مثل دور الحاكم الإداري ، مشكلة الجلوة ، تحولات نمط المعيشة عند البدو نحو الزراعة أو بيع الحليب ومشكلة تأمين الأغنام والناس بالمياة .
لقد إستطاع المسلسل أن يبرز دور القوات المسلحة - الجيش العربي في المجتمع الأردني ، من إستقطاب أبناء البادية والقرى وصهرهم نحو المجتمع الجديد ، والأهم الدور الأمني والقتالي في الدفاع عن المملكة وإستعداداته على طول الواجهة مع دولة الإحتلال ، ثم إبراز دور الجيش العربي وابناءه في معركة الكرامة والتي حقق نصرا عربيا مؤزرا .
وهنا سأتوقف عند معركة الكرامة في المسلسل والتي كانت موضع الإنتقاد من المتابعين والمشاهدين وحتى النخب المثقفة والوطنية ، وأعتقد أن الكاتب جعل المعركة جانبا ثانويا وليست موضع الحدث الرئيس ، لأن المساحة الزمنية التي غطاها المسلسل واسعة ومليئة بالأحداث، فليس من المنطق أن تأخذ أكثر مما أخذت ، ولكن موضع النقد التنفيذ الفني والدرامي ليوميات وأحداث المعركة ، فقد جاءت سطحية وبدائية الإخراج والضعف في حبك القصة ، والإستعجال في تناولها ، بل الوقوع في أخطاء كارثية مثل مشهد إستشهاد الشهيد خضر شكري يعقوب فبدلا من أن تقصف المدفعية موقع دبابات العدو المحيطة بالشهيد فقد قام المخرج بقصف الشهيد نفسه ..!! وعدم وجود كمبارس يعزز مشاهد القتال وكأن جنديا واحدا يقاتل فقط ، إضافة لإظهار مشهور حديثة كقائد للفرقة الأولى يلبس ربطة عنق ويقود جنوده من مكتب وليس قيادة حربية ، ويتابع تفاصيل المعركة مع ضباطه من خلال خارطة جغرافيا وليست خرائط عسكرية ( خارطة الموقف والعمليات ) ، ناهيك عن دور المقاومة الذي تم إقحامه بشكل غير منطقي وحقيقي ، ورغم ذلك فقد أظهر المسلسل قصص إستشهاد وبطولات لضباط وأفراد الجيش العربي مثل إصابة النقيب فاضل علي فهيد السرحان ، ومحمد إحنيان العون، والشهيد خضر شكري يعقوب . ومشهد إستقبال والد الشهيد خبر إستشهاد ابنه وإخفاءه للخبر حيث يقام عرس في القبيلة حتى لا ينكد على أهل الفرح وهذه من شيم ومروءة الأردنيين التي تسجل لهم.
برأيي أن مسلسل المشراف رغم كل الملحوظات شكّل إضافة وطنية للدراما التي تفتقد الرواية الأردنية وتوثيق التاريخ الأردني ، وربما وقع في خطأ الإستعجال او قلة الدعم المالي ، وهذا لا يقلل من جهد وإبداع أسرة المسلسل ولكن حريّ بنا ونحن ندخل المئوية الثانية أن تأخذ الدراما الوطنية مكانها الصحيح للدفاع عن رسالة الدولة وتوثيق منجزاتها لا سيما ونحن نراقب الدول المجاورة وهي تدفع بكل قوتها لإنتاج أعمال تلفزيونية تروج لنفسها وتروي للأجيال قصتها.