العبادي يكتب: هل اقتربت المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران؟!

أ. د. صلاح العبادي
شكلّت التصريحات التي أطلقها المرشد الإيراني علي خامنئي، الجمعة؛ والذي قال إنّ التهديدات الأميركية لبلاده «لن تجدي نفعاً»، بعدما لوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحرك عسكري محتمل ضد طهران، إنذراً مبكراً بقرب المواجهة بين الدولتين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع إيران إلى تغيير سياستها الخارجيّة بشكل جذري.
الولايات المتحدة الأميركية تراقب عن كثب البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً بعد أنّ زادت نسبة تخصيب اليورانيوم عن 60 بالمئة، في وقت تزعم طهران بأنّ هذا البرنامج للأغراض السلميّة، وهو أمر لا يقنع الإدارة الأميركية بعد أن تجاوزت النسبة هذا الحد، والذي يبرهن بأنّ الغاية منه الجانب العسكري!
خلال الفترة الماضية بعث ترامب رسالة إلى خامنئي، حذر فيها طهران وأنّ عليها الاختيار بين التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة أو مواجهة عمل عسكري. في وقت قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إنّ طهران ستدرس «الفرص» وأيضا التهديدات الواردة في رسالة ترامب.
تأتي هذه المواجهات في التصريحات، قُبيل محادثات عالية المستوى ستجريها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني في البيت الأبيض خلال الأيام المقبلة، بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية في تل أبيب ومستشار الأمن القومي.
المحادثات المرتقبة تأتي بعد أنّ وصلت رسائل أميركية أخرى إلى طهران الأسبوع الماضي، من خلال ضربات عسكرية واسعة النطاق على جماعة الحوثي في اليمن والمتحالفة مع إيران، بسبب هجمات الجماعة على سفن الشحن في البحر الأحمر، في وقت حمّل ترامب طهران المسؤولية إذا لم تكبح جماحهم.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، أعاد ترامب العمل بسياسة «الضغط القصوى» التي تستهدف عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف صادراتها النفطيّة.
وفي فترة ولايته السابقة بين عامي 2017 و2021، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق مهم بين إيران وقوى دوليّة كبرى فرض قيوداً مشددة على الأنشطة النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، كسرت إيران هذه القيود وتجاوزتها بكثير، لكنها تنفي باستمرار سعيها لامتلاك أسلحة نووية!
الولايات المتحدة أعلنت مؤخراً فرض عقوبات جديدة على إيران وأعلن موقع وزارة الخزانة الأميركية أنّ العقوبات الجديدة تستهدف فرداً واحداً وعدداً من الكيانات والسفن، وتأتي هذه العقوبات ضمن سياسة الضغط الأقصى التي ينتهجها ترامب حيال إيران، وتمثل الجولة الرابعة من العقوبات التي تستهدف مبيعات النفط الإيراني.
الرسالة التي أوصلها ترامب إلى إيران تشير إلى أنّ الأمور قد تصل إلى صدام كبير بين الولايات المتحدة وطهران بعد الرسالة التي أرسلها ترامب، والتي تتضمن منحها مهلة الشهرين للانخراط في مفاوضات مباشرة حول برنامجها النووي.
إيران كانت تعتقد في السابق أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تريد إشعال الحرب المباشرة معها، لكنّ الأمر اليوم اختلف عن السابق، لأنّ الأمور وصلت إلى حدٍ يبتعد عن المناورة في التصريحات، وهو الأمر الذي قد يدفع طهران للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع واشنطن بشأن الملف النووي والذي يحمل أيضاً بمعيته ملفات أخرى، خصوصاً وأن رسالة ترامب الأخيرة تختلف عن الرسائل السابقة.
كما أنّ طهران تدرك بأنّ تصريحاتها المتعلقة في «وكلاء إيران» في المنطقة وبأنهم يتصرفون دون مشورتها ويتحركون بشكل منفرد، هو أمر لا يصدقه العقل، لاسيما وأنّ إيران هي من تقوم بدعمهم بالتسليح والمال والمشورة، بما يتماشى مع مصالحها السياسيّة في المنطقة، وهو الأمر الذي دفع ترامب مؤخراً للتأكيد بأنّ أي طلقة ستطلق من قبل جماعة الحوثيين ستعتبر أطلقت من طهران.
منذ ثورة العام 1979 شكّلت إيران شبكة من الوكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهم يشتركون معها في خدمة أهدافها، وتجمعهم مصالح مشتركة، ويحظون بدعم مباشر من قبل الحرس الثوري الإيراني، والذي يعد ذراع طهران في إدارة الجماعات المسلحة في المنطقة. ووفَّر الحرس الثوري الإيراني لهم الأسلحة والتدريب والدعم المالي للميليشيات والحركات السياسيّة في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وسعت إيران خلال السنوات الماضية إلى إبراز قوتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط؛ من خلال دعمها لعدد من المجموعات والحركات، وفي مقدمتهم حزب الله الذي يعد أكبر وأقدم وكلاء إيران في المنطقة، وهو الأمر الذي شكّل تهديداً واضحاً لأمن واستقرار المنطقة لحساب خدمة المشروع الإيراني.
التحول الجديد في خطاب السياسة الخارجيّة الأميركية وتعاملها مع ملف إيران ووكلائها في المنطقة، ربما يدفعها لتدرك بأنّ مساعيها لتخصيب اليورانيوم بهذهِ النسب العالية، أمر لا يستحق كل المعاناة الاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون في وقت يترافق مع عقوبات أميركية مشددة وعزلة سياسيّة في المنطقة!
كما أنّ مصلحة إيران تتطلب التوقف عن دعم وكلائها في المنطقة، وأنّ تراجع سياستها الخارجيّة، خصوصاً وأنّ الفترة الماضية برهنت بأنّ كل من حظي بدعم إيراني في المنطقة تعرض لضربات قاسيّة، إن كان على صعيد حزب الله في لبنان والذي غدا في غاية ضعفه وتكبد خسائر فادحة، أو نظام الأسد الذي سقط بعد أن تلطخت أيادي إيران في دماء الشعب السوري، أو الميليشيات الإيرانية أو الحركات السياسيّة التابعة لها في دول مجاورة.
النظام الإيراني سيدرك بأنّ لا مجال أمامه للمناورة مع الإدارة الأميركية خلال المرحلة المقبلة، لأنّ ذلك إن حدث ربما سيقود إيران لتلقي ضربات أميركية قاسية، وبالتالي فإنّه قد يدفعها إلى تغيير سياسته الخارجية، وإنهاء مشروع تصدير فكر الثورة الإيرانية لدول المنطقة عبر وكلائها!
واليوم فإن الواضح أن العلاقة بين واشنطن وطهران تقف على حافة الانفجار مع توجيه إدارة ترامب للسلطات الإيرانيّة إنذاراً شديد اللهجة تلوّح فيه بأنها ستستخدم القوة حال لم تستجب طهران للشروط الأميركية، تاركة باب التفاوض موارباً في حال بددت طهران المخاوف من برنامجها النووي وملفات هي محل جدل!
نبرة الحديث والتصريحات بين الجانبين لا تؤشر إلى تهدئة تلوح في الأفق.