نداء أخير قبل الانهيار... درس في إدارة ورقة المفاوضات

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الباحث والناشط السياسيّ الدكتور معن المقابلة إن الكثير يقدمون مقاربات تنم عن قصور إدراكي خطير لمعادلات القوة، حين يدعو حركة حماس إلى "تسليم المفاوضات للعرب"، بزعم أن "موازين القوى قد تغيرت".

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن العرب لطالما كانوا خارج حسابات الفعل الاستراتيجي، رغم امتلاك بعضهم أدوات قوة قادرة – إن شُغِّلت بوعي وإرادة – على قلب معادلات كبرى، فعلى سبيل المثال، الدولة الأولى عالميًا في إنتاج النفط وتصديره، هي الدولة ذاتها التي لو لوّحت جدّيًا بورقة النفط، لاستطاعت أن تجعل الاقتصاد العالمي يقف على قدم واحدة، ولأجبرت القوى الكبرى على إعادة تموضعها وفق حسابات مغايرة، ومع ذلك، حين قدمت هذه الدولة مبادرتها للسلام، التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي تضمنت اعترافًا عربيًا جماعيًا بالكيان الصهيوني مقابل انسحابه إلى حدود الرابع من حزيران 1967، جاء الرد الإسرائيلي حاسمًا وفوريًا بالرفض القاطع، إذ تُلقِ له تل أبيب بالًا حتى يومنا هذا، أو كما يقول الفلاحون "ما شالوهاش من أرضها".

ونوّه المقابلة إلى أننا نشهد مسارعة محمومة من بعض العواصم العربية نحو التطبيع، تحت مظلة ما عُرف بـ "الاتفاقيات الإبراهيمية"، وكأن المنطقة كانت في طريقها إلى أن تصبح امتدادًا جيوسياسيًا للكيان لولا أن باغتهم "طوفان الأقصى"، فأعاد صياغة المشهد وفرض قواعد جديدة للّعبة، ثم ها نحن نرى اليوم كيف أصبحت السعودية، بثقلها السياسي والاقتصادي، مجرد ورقة في يد بلينكن، يحاول إغراء تل أبيب بها كجائزة ترضية مقابل وقف الحرب، في مشهد يعكس مدى ارتهان القرار العربي لمنظومات الهيمنة الغربية.

واستطرد متسائلًا إذا كان للعرب هذا الثقل المزعوم، فلماذا لم تبادر أي من القوى الإقليمية الكبرى – سواء السعودية أو مصر أو غيرهما – إلى قيادة مفاوضات نيابة عن حماس، حتى دون إذنها أو رغبتها؟، متابعًا أن الإجابة واضحة وضوح الشمس، فجوهر هذه المفاوضات، وفق التصور العربي الرسمي، يقوم على قاعدة "المقاومة تُسلّم سلاحها أولًا، ثم تتفاوض"، وكأن التفاوض في حد ذاته غاية، وليس أداة تُستخدم حين يكون ثمة رصيد قوة على الطاولة.

وفي هذا السياق، لعل من المفيد أن نُذكر هؤلاء بقواعد التفاوض كما تُمارسها القوى التي تفهم طبيعة الصراع، فمن شاء أن يستوعب دروس التاريخ، فليعد بذاكرته إلى كهوف تورا بورا وقندهار، حيث أدركت حركة طالبان بوعي استراتيجي نادر، أن الجلوس إلى طاولة المفاوضات لا يكون إلا من موقع قوة، وعندما حاول الأمريكيون أن يفرضوا عليها تسليم سلاحها كشرط مسبق، جاء الرد صاعقًا: "لولا هذا السلاح، لما كنا هنا أصلًا"، وكانت النتيجة أن انتهى المشهد بخروج مذلّ للولايات المتحدة، في تكرار لمشهد سقوط سايغون عام 1975، حين اضطر آخر جندي أمريكي إلى مغادرة فيتنام تحت ضغط النار، لا بفعل مفاوضات عبثية تُدار من موقف ضعف، وفقًا لما صرّح به المقابلة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الانتباه إلى أن الكيان الصهيوني، مدعومًا من واشنطن ومُطوّقًا بشبكة أمان عربية، يحاول انتزاع ما عجز عن تحقيقه بالنار عبر قنوات التفاوض، فإنه حين فشل، لم يجد بُدًّا من العودة إلى الحرب، في تأكيد صريح لما قاله نتنياهو نفسه: "لن تكون هناك مفاوضات إلا تحت النار"، وما لم يدركه البعض، أن المفاوضات لم تتوقف يومًا، فهي دائرة باستمرار، تارة على الطاولة، وتارة أخرى من فوهات البنادق والمدافع.

وأشار المقابلة إلى أن الحقيقة التي يرفض البعض مواجهتها، هي أن النصر لا يعد قرارًا سياسيًا يُمنح في أروقة العواصم الكبرى، وإنما معادلة تُصنع على الأرض، حيث لا مكان فيها لمن يراهن على طاولة فارغة، تُدار خيوطها من الخارج، ولا يُملك فيها قرار.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير