المنطقة على أعتاب تحولات مفاجئة... الماء بدأ يغلي

قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن المعطيات الاستراتيجية المتواترة تشير إلى أن المشروع التوسعي الإسرائيلي في بلاد الشام يتخذ مسارًا مدروسًا، يرتكز إلى بُعدين متداخلين: عقائدي – جغرافي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا المشروع من الناحية العقائدية يستند إلى ما يُعرف بـ"ممر داود" في العقيدة التوراتية، وهو الامتداد الذي من شأنه تأمين العبور الإسرائيلي من "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) باتجاه العمق السوري الجنوبي، ومن ثم الانتشار التدريجي شرقًا وجنوبًا، تمهيدًا للتمدّد شمالًا نحو دمشق، عبر سياسات خلق الفراغ الأمني وإعادة هيكلة التوازنات الميدانية.
وبيّن النظامي أن المعطيات المتاحة، كما تظهر في خرائط نُشرت في مراكز أبحاث غربية متخصصة، تؤكد أن إسرائيل لا تضع الانسحاب من الجنوب السوري ضمن حساباتها الاستراتيجية، إذ يبدو أنها تتجه إلى فرض واقع تقسيمي جديد، يتمحور حول إنشاء ثلاث مناطق منزوعة السلاح، بما يضمن لها موطئ قدم دائمًا، تحت مبررات أمنية وعملياتية.
وذكر أن هذه المقاربة تعكس تصورًا أعمق لما يُعرف بـ"استراتيجية الأطواق"، حيث لا يقتصر الأمر على ترسيم مناطق نفوذ فحسب، وإنما يمتد إلى فرض سياسات أمر واقع، تُعيد تعريف المعادلة الأمنية على طول خطوط التماس الإقليمية، بما يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد.
ونوّه النظامي إلى أنه يبدو واضحًا أن هناك تحركات ميدانية واستخباراتية تُدار بصمت، بعيدًا عن الأنظار، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال التقارير الغربية المتسربة، فضلًا عن المؤشرات الصادرة عن إحدى الدول الشرق أوسطية غير العربية، والتي تعكس استشعارًا مبكرًا لإعادة تشكيل المشهد.
وذكر أن المتابع الدقيق للمسارات الجيوسياسية يدرك أن ما يظهر في العلن لا يعكس بالضرورة حقيقة ما يجري في الكواليس، وإنما قد يكون جزءًا من عملية تمويه مدروسة، تهدف إلى خلق صورة مضللة تخفي الأجندات الفعلية قيد التنفيذ.
الماء في القدر بدأ يغلي.. ولكن بأي اتجاه؟
واستطرد قائلًا إن الضباب السياسي والإعلامي يُعتم على المشهد، ذلك أن التطورات الميدانية تشير إلى أن المياه في القدر بدأت تسخن على نحو متسارع، لافتًا الانتباه إلى أن التسريبات المتواترة من دوائر صنع القرار في الغرب، إلى جانب التحركات غير المعلنة في بعض العواصم الإقليمية، تؤكد أن هناك أمرًا ما يُحاك بصمت، ويجري التحضير له بهدوء لافت.
وحذّر النظامي من أن المنطقة على أعتاب متغيرات كبرى قد تعيد رسم حدود النفوذ والمساحات الجيوسياسية في الجنوب السوري، بما يتجاوز مجرد التمركزات العسكرية أو التعديلات التكتيكية، مستطردًا أن الأسابيع القليلة القادمة قد تكشف عن تحولات مفصلية، قد تأتي فجائية في توقيتها، لكنها حتمية في سياقها الاستراتيجي، وهو ما يستوجب قراءة دقيقة لكل المؤشرات القادمة من قلب المشهد المتحرك.