العرب يكتب: (شوكة) ماسك و (مفارقة) فيرمي

{title}
أخبار الأردن -

  د. محمد العرب

إيلون ماسك، بشوكة الطريق التي صممها ووضعها في مقر شركته تسلا، لم يبتكر مجرد قطعة فنية لتزيين المكان، بل صنع رمزاً يحمل في طياته أبعاداً فلسفية ووجودية تتجاوز الزمان والمكان ، الشوكة التي تبدو بسيطة في ظاهرها هي مرآة تعكس مصير البشرية الواقفة الآن أمام مفترق طرق. طرق تُحدّد ليس فقط مستقبلنا على الأرض، بل أيضاً إمكانية بقائنا كحضارة في هذا الكون الشاسع، الذي يبدو صامتاً بطريقة غريبة ومثيرة للتساؤل !!
ماسك بتفكيره الاستشرافي، يربط بين هذه الشوكة وبين مفارقة فيرمي، تلك المفارقة التي تتساءل بحدة: أين الجميع؟
في كون يحتوي على مليارات النجوم والكواكب، تبدو احتمالية وجود حضارات ذكية أخرى أمراً منطقياً ، بل يكاد يكون حتمياً ومع ذلك، نحن لم نرَ أي دليل على وجود تلك الحضارات لماذا..؟
هنا تبرز فكرة (التصفية الكبرى) التي اقترحتها مفارقة فيرمي. التصفية الكبرى هي لحظة مصيرية تمر بها كل حضارة ذكية ، إما أن تنجح في تجاوزها وتصل إلى النجاة الكونية، أو تفشل وتختفي كما لو أنها لم تكن موجودة. شوكة ماسك هي تذكير بأننا نقف الآن عند ذات النقطة التي ربما وقفت عندها حضارات أخرى قبل أن تختفي.
السؤال الحقيقي الذي تطرحه هذه الشوكة ليس فقط ماذا سنفعل؟ بل لماذا نحن هنا؟
إذا نظرنا للكون بعين مجردة، سنجد أن وجودنا، بكل تناقضاته، يبدو غير منطقي. نحن نتيجة تفاعلات كونية معقدة، جئنا إلى الوجود في زاوية صغيرة من الكون، ومن هنا نحاول فهم المجهول ، لكن هل نحن فعلاً الاستثناء؟ هل نحن الحضارة الوحيدة التي تجاوزت التصفية الكبرى أو التي لم تصل إليها بعد؟ ربما الإجابة تكمن في قدرتنا على رؤية هذا المفترق وتجاوزه.
إيلون ماسك، من خلال رؤيته التي تتجلى في مشاريعه مثل سبيس إكس و تسلا ، لا يدعو فقط إلى استخدام التكنولوجيا كأداة، بل يضع خطة لتحويل البشرية إلى نوع كوني متعدّد الكواكب. بالنسبة له، استعمار المريخ ليس مجرد مغامرة علمية، بل ضرورة استراتيجية لضمان البقاء. إذا واجهنا كارثة بيئية، أو تهديداً نوويا من مجانين الشرق والغرب أو حتى فشلاً في إدارة الذكاء الاصطناعي، فإن كوكباً آخر يمثل خطة بديلة. وهذا يمثل الطريق الأول في شوكة ماسك: طريق النجاة الكونية، حيث تتحد البشرية لمواجهة تحدياتها الكبرى وتوسيع آفاقها إلى ما وراء حدود الأرض.
ولكن ماذا عن الطريق الآخر؟ ذلك الطريق الذي ربما اختارته حضارات أخرى قبلنا، والذي قادها إلى الفشل. هذا الطريق هو طريق الانغلاق والتقوقع، حيث تتجاهل الحضارات المخاطر الكبرى، وتنشغل بالصراعات الصغيرة، وتستهلك مواردها دون تفكير في المستقبل. في هذا الطريق، تصبح الحضارة رهينة لقصورها الذاتي، حتى تنتهي دون أن تترك أثراً. هل هذا هو الطريق الذي يسلكه معظم الكون؟ مفارقة فيرمي تجعلنا نتساءل: إذا كان هذا الكون مليئًا بالحياة الذكية، فلماذا لا نجدهم؟ ربما لأنهم ببساطة لم يتمكنوا من تجاوز شوكتهم.
لكن هنا، أود أن أطرح رأياً فلسفياً خاصاً وقد يبدو معاكساً للتفاؤل الذي يدعو إليه ماسك. وجودنا نفسه في هذا الكون قد يكون غير منطقي إذا نظرنا إليه بعين مجردة. الكون بحجمه الهائل وصمته المطبق، يبدو وكأنه يصرخ في وجهنا بأننا لا ننتمي. نحن نقطة صغيرة في بحر من النجوم، نعتمد على موارد محدودة على كوكب هش. وإذا كانت الحياة الذكية قابلة للوجود في أماكن أخرى، فلماذا لم نجد أثرها؟ ربما لأننا لسنا مختلفين عنهم. ربما نحن أيضاً نسير في طريق يُفضي إلى التصفية الكبرى.
لكن على الجانب الآخر، إذا كان وجودنا بلا منطق في سياق هذا الكون، فلماذا نملك هذا الفضول وهذه القدرة على التفكير فيما وراء أنفسنا؟ ربما هذه هي فرصتنا الحقيقية للنجاة. التفكير في مفارقة فيرمي هو بحد ذاته خطوة في الاتجاه الصحيح. إدراك أننا في مفترق طرق، أننا نواجه شوكة في الطريق، هو ما يجعلنا قادرين على تجاوزها.
ماسك يردد ضمنياً أن مشاريعه ليست مجرد استثمارات أو طموحات علمية، بل هي رسائل للبشرية: استيقظوا. العالم ليس لعبة قصيرة الأمد، والطريقة الوحيدة لضمان البقاء هي أن نرى الصورة الأكبر. العالم مليء بالشواهد الميتة: حضارات ربما استنزفت بيئتها، أو غرقت في الحروب، أو فشلت في تجاوز تحدياتها التكنولوجية. نحن قد نكون الحكاية الأخيرة في هذا الكون، أو البداية لقصة جديدة.
إذا كان ماسك يسأل أين الجميع؟ ، فأنا أسأل: «هل نحن حقاً جزء من هذا الكون؟ ربما الجواب هو أننا لا نزال نكتب قصتنا، وأن اللحظة التي نقف فيها الآن، على شوكة الطريق، هي ما سيحدد ما إذا كنا سنصبح الإجابة على صمت الكون أم مجرد صدى آخر لهذا الصمت.
شوكة ماسك ليست مجرد قطعة فنية، بل دعوة للتفكير والتغيير. إنها تضع أمامنا مسؤولية ثقيلة: أن نختار الطريق الذي يجعل وجودنا منطقياً، ليس فقط لأنفسنا، بل للكون كله. إذا استطعنا تجاوز هذه اللحظة، فسنصبح الحضارة التي تكسر مفارقة فيرمي، الحضارة التي تثبت أن الكون ليس فارغاً ، بل مليء بالإمكانات. والسؤال الذي يبقى: هل لدينا الشجاعة لاتخاذ هذا القرار؟

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير