النقرش يكتب: الغطرسة الإسرائيلية وأطماعها وتداعياتها على الأردن

د. إبراهيم الحسن النقرش
لم يكن مفاجئًا ولا شيئًا جديدًا أن ينشر العدو الإسرائيلي خرائط وصورًا وهرطقات يدّعي فيها أحقيته ببعض المناطق الجغرافية في الأردن وفلسطين وبعض الأقطار العربية. فهذه الادعاءات تنبع من عقيدته الدينية والأخلاقية والاستراتيجية منذ أن زُرع في فلسطين المغتصبة، وهو يحاول التمدد والسيطرة على مقدّرات العرب من بترول وغاز ومصادر المياه والمواقع العسكرية الاستراتيجية. وما انفكّ يومًا عن الحديث عنها في داخله وتسويقها خارجه، حتى وصل به الأمر إلى محاولة شرعنتها من خلال الأمم المتحدة، وحملها مسؤولية تحت إبطه أينما حلّ وارتحل.
لقد انعكست هذه المطالبات بشكل واضح وفاضح على توجهات السياسة الأمريكية للإدارة الجديدة المماهِية لرغباته، حين قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "إن مساحة إسرائيل صغيرة، وعليه توسعتها".
من هنا نفهم التنسيق التآمري والتخطيط المُبيّت بين الدولتين للتآمر على الدولة الأردنية والبلاد العربية، (وهذا معروف، لكنه الآن أخذ طابع الصراحة والجرأة والوقاحة). ولا بد أننا في الأردن قد التقطنا الإشارة التي لم تعد مشفّرة بل معرّفة، ويجب الوقوف عندها طويلًا دراسةً وتحليلًا، وإجراء مراجعات عامة شاملة – أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية واستراتيجية – ليكون الأردن دولةً مهيبة، معدّة، عصيّة على كل من يحاول أن يطأها غصبًا.
لذا، يقتضي الكلام والحديث عن ما يجب أن تكون عليه بلدنا من الإعداد والعدّة والتمكين، بعيدًا عن الكلام السردي والمجاملات والنقل الصوري لما يقوله العدوّ كأخبار تُنشر وتُبث، ويكتب بها أصحاب الأقلام دون الجرأة على الإفصاح عن الواقع وما يجب أن نكون عليه لدرء الخطر القادم والمهدد الوجودي لنا. فالدبلوماسية الداخلية والخارجية حكمة شرعية، ولكن مع هذا العدو، وفي هذا الزمان والمكان، لا بد أن تسندها القوة لتجعل منها أداةً شرعيةً مرعيةً دوليًا تنفع، وإلا ستبقى حملًا وعبئًا يُثقل الكاهل.
وكمواطن أردني يُصيبني ما يُصيب الوطن سلبًا وإيجابًا، أقول: إن هذه الإجراءات والادعاءات الاستفزازية التي يتخذها العدو بنشر هذه المعلومات والخرائط تُشير علنًا وبوضوح إلى أطماع توسعية ونوايا غدرية بعقلية استعلائية وفكر استعماري واستفزازي، مما يوجب على الدول العربية، وخاصة الأردن بحكم الجغرافيا والسياسة لقربه من العدو، اتخاذ خطوات جادة واستراتيجية وحقيقية لضمان وتعزيز أمنها القومي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فمثل هذه الادعاءات والخرائط المزعومة تشكل للأردن وأمنه تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي العربي، وتجاهلًا واضحًا لاتفاقيات السلام الموقعة مع العدو، لا سيما معاهدة وادي عربة، علمًا بأن التاريخ لم يحفظ يومًا لليهود أنهم التزموا بعهد أو اتفاق مع الله وعباده.
هذه الأطماع التوسعية يمكن أن تأخذنا إلى حالات من الاستنفار والتأهّب الأمني والعسكري، والتي سيكون لها تأثيرات على الاستقرار الأردني والإقليمي، لا سيما الاقتصادي، الذي يؤرّقنا كبلد يعاني اقتصاديًا. وهذا يصاحبه تصعيد سياسي يوجب العمل الدبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية لتفنيد تلك الادعاءات الكاذبة.
وكل هذه المتاعب التي يخلقها العدو لنا تستلزم حشد الطاقات السياسية والبشرية، وأولاها التعاون مع الدول العربية الفاعلة لبناء مواقف موحدة لمجابهة السياسات الإسرائيلية. وفي مثل هذه الحالات العصيبة، لا بد من تعزيز وتقوية الجبهة الداخلية الأردنية سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، فتوسيع دائرة المشاركة الشعبية يعزز ثقة المواطنين بالحكومة.
ومما يجب الالتفات إليه في مثل هذه الأوقات الحرجة لبناء منعة الدولة، تنويع الاقتصاد وزيادة مرونته، والحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية، كي لا يبقى البلد مرتهنًا بالمخاطر الخارجية. أما في جانب الإعداد المادي على الأرض لمواجهة العدو، فلا بد من الإعداد الحقيقي والصحيح المبني على أسس عقائدية كفيلة بالحشد المعنوي والمادي، وخلق تعبئة حقيقية وواقعية للطاقات المتاحة، وإدارتها وتوظيفها لخدمة وحماية الوطن. فلا بد من التسليح الحديث وتطوير القدرات والمهارات التي تضمن – بإذن الله – التفوق في الميدان، فالتكنولوجيا الحديثة ضرورية لتعزيز وتطوير القدرات.
ولا بد من وجود رديف من خلال بناء الشراكات الحقيقية (المتوازنة لا التبعية) مع الدول العربية والإسلامية والإقليمية، وذلك من خلال طروحات مشتركة وموحدة لمواجهة الأطماع الإسرائيلية، ما خلا (الدول الأوروبية وكبيرها الذي علمها السحر – أمريكا)، لأنها لم تكن يومًا من الأيام في كفة من يعادي إسرائيل.
فالوضع إذن يتطلب نهجًا شموليًا جديدًا يجمع العدة العسكرية ومتانة الجبهة الداخلية، لتكون رافعة قوية للسيادة الوطنية وإفشال التهديدات الخارجية. وعلى ذكر الدول الأوروبية وكبيرها الذي علمها السحر – أمريكا، فإن مثل هذه الدول لا يمكن الاعتماد عليها كمصادر رئيسية للتسليح والتدريب العسكري، وقد تشكّل نقطة ضعف استراتيجية لكل من يعتمد عليها بشكل مفرط من الدول العربية، لأن هناك تحيزًا واضحًا أوروبيًا أمريكيًا تجاه إسرائيل – سياسيًا وعسكريًا – (والحرب على غزة شواهد فاضحة واضحة على ذلك).
لذلك، فإن هذا يتطلب تنويعًا لمصادر التسليح والشراكات الاستراتيجية لضمان القدرة على الدفاع عن المصالح الوطنية وحماية الحدود والسيادة. فإسرائيل حليف استراتيجي أساسي لأمريكا وأوروبا في الشرق الأوسط (وهراوة بيدهم تهوي بها على رؤوس الدول العربية)، وبالتالي فإن التزامهم بالدفاع عن الأردن مشكوك فيه. فتزويدهم لعشيقتهم إسرائيل بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا إلزامٌ عليهم، بينما غيرها يزوّد بأسلحة أقل تقدمًا، وغالبًا ما تكون بقيود وشروط، وقد يكون مستعملًا مستنفدًا، فمصالحهم وسياساتهم منسجمة مع مصالح إسرائيل.
وهذا بالطبع يُحتّم تنويع مصادر التسلّح للتحرر من الضغوط السياسية، ويقلل من خطر فقدان الإمدادات في حال نشوب الخلافات والأزمات السياسية، علاوة على القدرة على الجمع بين قوى دولية في التسليح والتعامل معها بمرونة، مما يعزز المواقف السياسية والاستراتيجية للدولة.
فهناك خيارات استراتيجية لتنوع التسليح والتحالفات. فمثلًا، روسيا لديها أنظمة دفاع جوي معروفة بفعاليتها في صد الهجمات الجوية، ولديها طائرات حربية ذات قدرة عالية، وبتكلفة أقل مقارنة بالطائرات الغربية. الصين مثلًا من أوائل الدول المتقدمة في صناعة الطائرات بدون طيار، وهي من أدوات الحروب الحديثة، ولديها قدرات تكنولوجية حديثة هائلة. حتى دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل مثلًا يمكن التعامل معها، ويمكن أيضًا لهذه الدول وأمثالها إنشاء شراكات استراتيجية دون أن تدس أنفها في الداخل العربي.
في النهاية، ما يطمح إليه كل أبناء الوطن الأردني هو أن نرى وطننا عزيزًا مصانًا بجيش مدرّب قوي بكفاءة عالية، كما عهدناه، بقيادته الفذّة، يمتلك تكنولوجيا العصر من السلاح المتقدم، من مصادر متنوعة ومتعددة حديثة ومتطورة، تزيد من كفاءته وقوته وقدرته على أن يرسل رسائل واضحة لأي جهة تفكر في تهديد أمننا واستقرار وطننا الغالي – الأردن.