قندح يكتب: ضريبة الخطيئة والسوق التنافسية!

د. عدلي قندح
يتم اللجوء إلى فرض ضرائب مقطوعة على الكميات المشتراة من بعض السلع التي تكون فيها مرونة الطلب السعرية منخفضة جداً لضمان تحقيق مستويات عالية من الايرادات لخزينة الدولة مهما انخفضت أسعار تلك السلع عالميا أو حتى محلياً. والمقصود بمرونة الطلب السعرية «درجة استجابة الطلب على تلك السلع للتغيرات في اسعارها»، وانخفاض مرونة الطلب السعرية يعني أن الطلب على تلك السلع لا ينخفض اذا ارتفعت أسعار تلك السلع، ولا يزيد الطلب عليها اذا انخفضت أسعار تلك السلع. لذلك يتحمل المستهلك عبء الضريبة على تلك السلع. وأسباب ذلك عديدة منه? عدم وجود بدائل في حالة المشتقات النفطية، ونتيجة للتعود والادمان والمتعة المتحصلة من الاستهلاك في حالات السلع الأخرى. حتى وأن وجدت سلع بديلة للمشتقات النفطية، مثلاً، يتم اللجوء الى نفس الطريقة في فرض الضرائب كما يحصل مع سيارات الكهرباء، حيث تلجأ الحكومات الى وضع عدادات كهرباء خاصة لشحن السيارات بأسعار مرتفعة للكيلو واط ساعة لضمان تحقيق نفس الايردات للخزينة اذا ما حصل تحول من قبل المستهلكين من استعمال السيارات العادية التي تعمل على البنزين أو السولار، الى سيارات تعمل على الكهرباء.
ونظرا لأننا نتحدث عن أسواق فلا بد من التطرق الى جانب العرض. فاذا كانت مرونة العرض السعرية منخفضة، فان المنتج هو الذي سيتحمل عبء الضريبة أكثر. وفي مثل هكذا حالة تضمن الحكومة إيرادًا سنويًا ثابتًا للخزينة مهما انخفضت أسعار تلك السلع، ولكنها لا تضمن للمستهلك حمايةً من ارتفاع هذه الأسعار بالرغم من أن الضريبة ثابتة على كميات الاستهلاك ولا تتغير بتغير الاسعار. ان الضمان المتوفر للخزينة ناجم من كون الضريبة المفروضة على تلك السلع مرتفعة للغاية ومحتسبة على أساس متوسطات حاجة الخزينة والكميات المستهلكة سنوياً من تلك ?لسلع. حيث تتزايد ايرادات الخزينة بتزايد الكميات المشتراة من تلك السلع نتيجة زيادة الطلب على تلك السلع والمرتبط عادة بزيادة اعداد المستهلكين الذين يطلبون هذه السلع سنة بعد سنة. ونحن نتحدث عن ثلاث أنواع من السلع والتي تكون فيها مرونة الطلب السعرية منخفضة جدا وهي: المشتقات النفطية، والسجائر، والمشروبات الكحولية. وهذا الوضع موجود، تقريباً، في العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وتشير اليه غالبية كتب الاقتصاد الجزئي التي تُدَرَسُ في كليات الاقتصاد على المستوى الدولي. ويطلق اسم «ضريبة الخطيئة» في بعض ?تب الاقتصاد على الضريبة الثابتة على السجائر والمشروبات الكحولية بمختلف أنواعها. في الأردن، ثبّتت الحكومة، منذ تموز 2019، ضريبة خاصة مقطوعةً على كل لتر من المشتقات النفطية، بواقع 37 قرشًا على البنزين 90، و57.5 قرش لبنزين 95، و16.5 قرش للسولار والكاز. وتصل ايرادات الخزينة المتأتية من هذه السلع الى قرابة المليار وربع المليار من الدنانير ولا تتأثر هذه الايرادات بالاسعار العالمية لأن الطلب على هذه السلع متزايد سنة بعد الاخرى. علاوة على حقيقة أنه وعلى الرغم من وجود ثلاث شركات تعمل في سوق المشتقات النفطية منذ عدة?سنوات الا أن حالة الاحتكار ما تزال هي السائدة في هذه السوق لأن نوعية السلع الموجودة في هذه السوق لا تعكس أجود الانواع المتوفرة في السوق العالمية وخاصة من حيث المواصفات، لأن ديزل وبنزين المصفاة يحظى باستثناء من تطبيق المواصفة الأردنية الخاصة بنسبة الكبريت، كما ان الاسعار تتحدد شهرياً من قبل لجنة حكومية خاصة وفقا لمعادلة يدخل فيها أكثر من ثمانية متغيرات.
وحتى نصل بقطاع المشتقات النفطية الى مستوى حالة سوق المنافسة التامة لحماية مصلحة المواطن والمستهلك وبنفس الوقت ضمان ايرادات معقولة للخزينة، هناك مجموعة من العوامل التي يمكن العمل بها. ومن أهمها نذكر: فتح أبواب الاستثمار في قطاع الطاقة لاستغلال كافة الموارد المتوفرة على ارض المملكة مثل الطاقة المتجددة والصخر الزيتي، وازالة كافة أشكال القيود على استخدامات تلك الموارد. وتحرير القطاع بالكامل والسماح لشركات خاصة اخرى للدخول الى السوق على أن يسمح لها باستيراد كامل مشترياتها من الاسواق العالمية وفقا لأفضل المواصفا? والاسعار. وزيادة أعداد وسائط النقل العام النظيفة والحضارية لتصل الى أكبر عدد من الخطوط التي عليها طلب يومي من الموظفين والعمال. وتخفيض قيمة الضريبة المقطوعة على المشتقات النفطية لأن ذلك سيعمل على زيادة الطلب على البنزين اوكتان 95 ذي السعر العالي والضريبة الاعلى. وزيادة المخزون الاستراتيجي للمملكة من المشتقات النفطية عندما تنخفض أسعارها بشكل ملموس عالمياً. واعادة النظر بطريقة فرض الضريبة على المشتقات النفطية بحيث يتم فرض نسبة منها على أساس مقطوع والاخر على أساس نسبة من السعر. فهل ستكون استجابة الحكومة لهذه?المطالبة مرنة أم غير ذلك؟!