أبو رمان يكتب: متى نتجاوز «عقلية الفزعة»!
محمد أبو رمان
من الجميل أن نجد الأردنيين دوماً اهلاً للفزعة والنخوة والشهامة، وأن نجدهم عندما يشعرون بالقلق على وطنهم ودولتهم وبوجود تهديد جميعهم يستنفرون ويقفون صفّاً موحّداً، وهو ما لاحظناه في مختلف المراحل السياسية، ومؤخراً أيضاً في مواجهة العديد من الأحداث، والآن بعد تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول تهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر، إذ طغت على أحاديث مواقع التواصل الاجتماعي والتغطيات الإعلامية كلمة؛ لا؛ وهو موقف مهم على صعيد توضيح موقف الرأي العام الوطني من المسألة بوصفها ذات «إجماع وطني»، يمكن أيضاً، بدرجة مقبولة ،أن يساند الدبلوماسية الأردنية في مواجهة هذه الإدارة التي من الواضح أنّنا سنواجه معها تحديات ومشكلات كبيرة في المرحلة القادمة.
لكن، وفي الوقت نفسه، من الضروري أن نتجاوز عقلية الفزعة ومنطق «عدّ رجالك ورد الميّ» في التعامل مع الملفات السياسية والوطنية المهمة والرئيسية، فما يحدث في المنطقة من تطورات وتحولات تستدعي بناء مقاربة وطنية أردنية تقوم على تعميق فهم الأحداث وتحليلها، ثم بناء السيناريوهات المطلوبة في التعامل معها، والأهم من هذا وذاك، تطوير رسائل عقلانية واقعية والتمييز بين تلك الموجهة للرأي العام الأردني والموجهة للآخرين، سواء الدوائر الديبلوماسية الأميركية والغربية والرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، لأنّنا إذا بقينا نخاطب فقط أنفسنا ونعيد ونكرر لأنفسنا ثوابتنا الوطنية التي جميعاً نعرفها فلن يغير ذلك من الأمر شيئاً ولن يأخذنا أحد على محمل الجدّ!
لذلك نقول - سياسياً وفكرياً وإعلامياً واقتصادياً- من الضروري أن نتجاوز منطق الفزعات وتكرار واجترار الجمل نفسها التي نعرفها جميعاً، هنالك ضرورة اليوم لتطوير تصورات ورؤى من خلال دوائر القرار والتحليل السياسي وبناء سيناريوهات وصناعة الرواية السياسية والإعلامية بطريقة محترفة، وبلغات متعددة، كي نكون قادرين على مواجهة التحديات العديدة، بخاصة أجندة اليمين الإسرائيلي التي أصبحت واضحة للعيان، وفي بناء تصور في كيفية التعامل مع إدارة الرئيس ترامب؛ وهو ما يتطلب أن نحلل أولاً؛ السيناريوهات المتوقعة لسياسة ترامب تجاه المنطقة بصورة عامة والقضية الفلسطينية ثانياً والأردن بصورة خاصة؟ وكيفية التعامل مع أي سيناريو من هذه السيناريوهات؟ ومن هم الحلفاء والأصدقاء والخصوم؟ وما هي التحالفات الإقليمية التي يمكن أن يستند إليها الأردن؟ وما هي الخطوات المطلوبة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية الوطنية الأردنية؟
الطرق التقليدية في إدارة الحملات الإعلامية وتسويق المواقف السياسية لم تعد ناجحة اليوم وغير فعّالة، وليس من المقبول أو الممكن أن نظن بأنّ الناس خارجياً، ولا حتى داخلياً يمكن أن تشتري مثل هذه البضاعة، كل شيء اليوم في العالم صناعة؛ هنالك دور مهم لمراكز التحليل في أروقة الدولة ومراكز التفكير والبحث والدراسات لتقديم تصورات معمّقة محيطة بمختلف أبعاد القضايا، وهنالك دور آخر للمطابخ السياسية والإعلامية لبناء السرديات وتطوير المواقف.
وفي الوقت نفسه الذي نهتم ببناء الطرق والجسور والبنية التحتية من الضروري أيضاً أن نهتم بالإعلام؛ فحروب الروايات والسرديات والصور هي التي يمكن أن تؤثر وتكون فعّالة، لكن مثل هذه الروايات والصور والرسائل من الضروري أن تستند – بدايةً- إلى دراسات وتحليلات ومسوحات سياسية، وإلاّ ربما نقدّم في الدفاع عن قضية معينة رسائل خاطئة ونكون مثل المحامي الذي قضى على صاحبه وهو يحاول الدفاع عن قضيته!