عليمات يكتب: بعد فشل العسكر.. السودان نحو خيار ثالث مدني

{title}
أخبار الأردن -

  عمر عليمات

بعد نحو عامين من الصراع العسكري في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، يبدو أن النتيجة شبه المتفق عليها هي أن كلا الطرفين جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل، فرغم الفشل في حسم الصراع ميدانياً، إلا أنهما متمسكان بالخيار المسلح رغم تكلفته الإنسانية الضخمة، ودون مراعاة لمستقبل السودان وخطورة تقسيمه.

الجنرالان عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو «حميدتي» وصلا إلى نقطة اللاعودة، فهما غير معنيين تماماً بالوصول إلى حلول سلمية لإنهاء الحرب، وكلاهما يريد إلغاء الآخر والتفرد بالسلطة، وهذه حقيقة لا تقبل الشك، ومن هنا فإن الحاجة أصبحت مُلحة للبحث عن خيار مدني ثالث خارج إطار الجنرالين.

المبادرات والجهود الدولية والإقليمية السابقة جميعها اصطدمت بتعنت أحد الطرفين، فإن تعاون الجيش مع أي طرح رفضه الدعم السريع، والعكس صحيح، فالمقياس هو مصالحهما ونفوذهما بعيداً عن السودان وشعبه، لذا فإن التعويل على إيجاد تسوية سلمية بوجودهما ليس سوى تضييع للوقت، وتعميق للأزمة، وتسريع خطر التقسيم والفوضى، وعلى الجميع أن يدرك أن أي مفاوضات أو ضغوط لن تصل إلى نتائج إيجابية ما دام طرفا الصراع هما طرفا التفاوض.

هذا الوضع المرشح للاستمرار يفرض على الجميع، وخاصة السودانيين، الذهاب إلى خيار ثالث مدني، يجمع كل القوى السودانية السياسية والمجتمعية على طاولة الحوار، لوضع خارطة طريق لمسار سياسي يستجيب لتطلعات الشعب السوداني ويُفضي إلى سلام دائم، فقد أثبت الواقع أن الرهان على تغليب لغة الحوار والحكمة لدى طرفي الصراع رهان خاسر، ولن يؤدي إلا إلى المزيد من التعقيد.

المسار المدني يجب أن يركز على تشكيل حكومة توافقية تضم جميع الأطراف السودانية، مع دعم دولي لشرعيتها وتنفيذ إصلاحات شاملة، ضمن آلية عملية لتنفيذ هذه الإصلاحات، لبناء دولة تستوعب كافة السودانيين دون تمييز أو تهميش، على أساس العدالة والمساواة. وهذه الآلية هي الوحيدة القادرة على وضع حد للنزاع المسلح عبر تسوية شاملة تعالج كافة المشاكل، وخاصة إعادة هيكلة القوات المسلحة وإعادتها لهدفها الأساسي وهو حماية الدولة، وعدم التدخل في الشأن السياسي، تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تعيد السودان لوضعه الطبيعي.

الدول المنخرطة بالمفاوضات السودانية والمجتمع الدولي عليهما مسؤولية كبيرة، وهما الضامن الحقيقي لنجاح فكرة تشكيل حكومة مدنية، عبر وضع آليات دولية ملزمة لتحييد طرفي الصراع، وممارسة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية لتقويض نفوذهما، وتقديم دعم مالي وتقني للحكومة المدنية لضمان نجاحها، وحصر الحديث عن التسوية الشاملة مع الحكومة المشكلة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للسودانيين.

وفي السياق، فإن الشعب السوداني عليه الدور الأهم، وهو عدم التمسك بأحد طرفي الصراع، والخروج من سياسة التمييز الجغرافي والتقسيم الديمغرافي، التي كرسها نظام عمر البشير منذ عقود للسيطرة على السودان، وورثها النظام العسكري الجديد. فأولاً وأخيراً، فإن طرفي الصراع هما نتاج حكم البشير، ولن يخرجوا عن سياسته التي كانوا يوماً ما أدوات لتنفيذها.

بالمحصلة، فإن الجيش والدعم السريع أصبحا عائقاً أمام الاستقرار، وإنقاذ السودان يتطلب إرادة حقيقية لاختيار مسار مدني جامع يعيد الاستقرار والسلام إلى البلاد.


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير