جرار يكتب: البُناة الأنباط وغزة هاشم

{title}
أخبار الأردن -

  بشار جرار 

هذه مقالتي الثانية منذ الحديث الرئاسي على متن طائرة «إير فورس وان» عن غزة ومصر والأردن، مع ال «وايت هاوس بوول» وهم الصحفيون المرافقون بشكل دوري للرئيس وغيرهم من القيادات الأمريكية في رحلاتهم وجولاتهم، للقيام بأداء واجبهم المهني كصحفيين، لا مسؤولي علاقات عامة!

مقالتي الأولى لسي إن إن، وهذه هي الثانية لصحيفة الدستور الغراء. خدمة للمنبر وتقديرا للمقام، حديثي أكرسه للداخل وللخاص أكثر، وإن كان متاحا ورقيا وإلكترونيا للترجمة باللغات كلها، من بينها الإنجليزية والعبرية.

في الأردن وطنية وحس أمني واعتداد بالنفس وكرامة وفخر لا يضاهى. من غير اللائق المقارنة، فكل البلاد غالية على أصحابها، وجميع القيادات مهما علت أو صغرت مرتبتها السياسية أو العسكرية تؤمن بأن الوطن أولا، وأن الأولوية دائما وأبدا للأمن، وأنه خط أحمر لأنه عماد كل شيء.

لاءات قائد هو أول الجند، لاءات ملك هاشمي أردني أكثر ما يعرفه جنده وشعبه، اللاءات العبدلية واضحة وضوح الشمس، أتت من على منبر الأمم المتحدة قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبعد عام من الرفض المتكرر لمقولات بدأ بإطلاقها اليمين الأكثر تطرفا في أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل.

الأردن كما أكد سيدنا المفدى قائدنا الأعلى، لم ولن يكون وطنا بديلا لأحد، والتهجير خط أحمر أوضحت حكومة جلالته الحائزة ثقة نواب الأمة وأعيانها أنه بمثابة «إعلان حرب».. ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأردنية الملكية المسلحة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي يؤكد جهوزية الجيش القتالية.. «جهوزية قتالية» للدفاع عن أمن الأردن وحدود المملكة سواء من الإرهاب أو المخدرات أو أي عابث باستقرار الوطن وهويته.

الرد الأردني تزامن مع المصري، والأردنيون والمصريون هم الأقرب إلى غزة والضفة الفسطينية في العون والإسناد منذ كارثة السابع من اكتوبر، وما قبلها من حروب القطاع بين حماس وإسرائيل على مدى عقدين، ومن قبلها منذ كوارث النكبة فالنكسة على الوطن الفلسطيني والجوار العربي الأقرب فالأقرب. يد الفلسطينيين في النار، وكذلك «دول الطوق كلها» لزهاء قرن، وبسبب الإرهاب والاضطراب الذي اتخذ من «القضية» شمّاعة أو مطيّة للأسف صارت القضية إقليمية عالمية، وليست فقط فلسطينية أو عربية أو إسلامية.

ثمة أمر واقع لا يمكن إنكاره. غزة الآن بعد «طوفان الأقصى» ساحة ركام وحطام بتوصيف رجل المقاولات والصفقات الذي يريد أن يكون رجل سلام في ولايته الثانية كما الأولى حيث لم تخض أمريكا لأول مرة منذ عقود حربا واحدة. بموافقة دونالد ترامب -الواضح في سياساته الرافضة للإرهاب والداعية للسلام من خلال القوة- على تسليم إسرائيل قنابل ألفي رطل من طراز «إم كيه أربعة وثمانين».

فإنه يمنح بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر بالقضاء على ما تبقى من حزب الله وحماس والحوثي. الأمر بذلك يكون إنسانيا في الحرص على تجنيب أهالي القطاع ويلات استئناف الحرب بعد الهدنة المشروطة الموقوتة بين الفصيلين على الساحة الشمالية والجنوبية. وعليه وفي حال صدقت النوايا بالإمكان إما إعادة تطبيق آلية المربعات للنزوح بعيدا عن مواقع القصف، وإما وهو متاح عمليا وأقل معارضة سياسيا، ألا وهو السماح لأهالي غزة بالتسكين مؤقتا أو ضمن ترتيبات بعيدة المدى كما اقترح ترامب في الضفة الفلسطينية خاصة المناطق «أ» وفق اتفاق أوسلو وغزة أريحا أولا! قادة كنيست عرب فنّدوا قبل نحو عام مطالب الترحيل عن غزة عندما طالبوا نتانياهو بالسماح لهم الإقامة المؤقتة على حدود القطاع داخل إسرائيل جهة بادية النقب. الرفض كان لدواع أمنية. تفهمت إدارة بايدن حينها الأمر، وكذلك ربما الإدارة الأمريكية الراهنة، الأمر الذي يقدّم أوراقا إضافة لمن يصدق النية في إحلال السلام وإعادة الإعمار دون المس بحق الفلسطينيين في التشبث بوطنهم و»العودة (و) أو التعويض» لمن هم خارج القطاع والضفة الفلسطينية.

من بين أدوات التصدي للتسونامي الشرق أوسطي الذي أحدثه «الطوفان الحمساوي» هو قطع الطريق ورفع السدود عالية، عبر المبادرة بروية إلى اتخاذ إجراءات تشريعية وتنفيذية تتعامل مع تلك المناطق الرمادية والرؤى الضبابية فيما يخص الجنسية والمواطنة والهوية. قضية الهوية وعلاقتها بالجنسية بالغة الخطورة ويبدو أنها لا تحتمل مزيدا من طولة البال.. ولنا في أجدادنا الأنباط المرجعية في نحت الصخر لتحقيق الأمن المائي والاستقرار الزراعي والاكتفاء الغذائي وضرب أوتاد الحضارة التي لا يعرف منها بعض السواح سوى الخزنة والسيق..

قد ينظر فريق من المقاولين للقطاع كواجهة بحرية أو ساحة مواجهة مع نظام ملالي طهران، لكن عمّان تراها غزة هاشم. و»أهل مكة أدرى بشعابها»، فشتان بين الإمارة والعمارة، والتجارة والسياحة!


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير