الهزايمة يكتب: تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين: قراءة في التداعيات والمسؤوليات

هاني الهزايمة
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة بشأن تهجير الفلسطينيين وأهل غزة إلى دول الجوار، مثل الأردن ومصر، أثارت قلقًا واسعًا في المنطقة، إذ تعكس هذه التصريحات عدم إدراك حقيقي لتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتعقيداته. كما أنها تحمل أبعادًا خطيرة على استقرار المنطقة، ما يستوجب قراءة متأنية لما قد تؤول إليه الأمور إذا لم يتم التعامل مع هذه الأفكار بحذر.
الحديث عن تهجير الفلسطينيين، سواء إلى الأردن أو مصر، يتجاهل حقيقة أن شعوب المنطقة ترتبط بتراث عميق من الصمود والتشبث بالأرض. الفلسطينيون، الذين عانوا من الاحتلال لعقود طويلة، لم يتخلوا يومًا عن حقهم في العودة وبناء دولتهم المستقلة. أما الأردنيون والمصريون، فإنهم يدركون تمامًا أن أي محاولة لفرض حلول تتعارض مع سيادتهم الوطنية لن تكون مقبولة بأي حال.
على مر العقود، أظهرت شعوب المنطقة استعدادها للدفاع عن أوطانها وحقوقها المشروعة، وهو ما تجلى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر لأكثر من 75 عامًا. هذا الصراع ليس مجرد نزاع على الأرض، بل هو قضية عدالة وكرامة وهوية.
تصريحات ترامب ليست الأولى من نوعها. فقد سبق وأن طُرحت أفكار مشابهة، مثل مشروع «دولة غزة الكبرى» الذي اقترحه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي جيورا آيلاند عام 2004. المشروع كان يقضي بضم أجزاء من سيناء إلى غزة لتوسيع مساحتها، مع اقتطاع أجزاء من القطاع لصالح إسرائيل. هذه الأفكار، التي تبدو وكأنها حلول عملية، تهدف في الواقع إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى نزاع بين الفلسطينيين ودول الجوار، مما يخفف الضغط عن إسرائيل ويعيد توجيه الصراع نحو أطراف أخرى.
كما أن التاريخ يعطينا أمثلة واضحة على رفض شعوب المنطقة لمثل هذه المشاريع. ففي عام 1955، حاولت الأمم المتحدة تشجيع سكان غزة على الهجرة إلى سيناء، لكن هذه المحاولة قوبلت برفض شعبي واسع فيما عرف بـ"هبة آذار»، مما أجبر الأمم المتحدة على التراجع.
إن طرح مثل هذه الأفكار يهدد بإشعال توترات جديدة في المنطقة. تهجير الفلسطينيين قسرًا، إذا ما تحقق، لن يؤدي فقط إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين، بل سيخلق أيضًا أزمات سياسية واجتماعية في الدول المستقبلة. الأردن، الذي يستضيف بالفعل أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، ومصر، التي تحملت عبء العديد من التحديات الإقليمية، لن يقبلا بأي حلول تأتي على حساب استقرارهما وسيادتهما.
إضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه الخطط تعكس محاولات إسرائيلية لتغيير طبيعة الصراع من نزاع مع الاحتلال إلى نزاع داخلي بين الفلسطينيين وجيرانهم. هذا التوجه قد يؤدي إلى تفتيت الموقف العربي والإسلامي الموحد تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يخدم مصالح إسرائيل في المقام الأول.
على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في مواجهة مثل هذه التصريحات والمشاريع. بدلاً من محاولة فرض حلول أحادية الجانب، يجب التركيز على إيجاد تسوية عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تسوية تضمن حقوق الفلسطينيين المشروعة وتحقق السلام والاستقرار في المنطقة.
كما أن على القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تعي أن فرض أجندات لا تتماشى مع تطلعات شعوب المنطقة لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات. الفلسطينيون والأردنيون والمصريون، وكل شعوب المنطقة، يدركون جيدًا حقوقهم ومستعدون للدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة.
تصريحات ترامب حول تهجير الفلسطينيين ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي مؤشر على رؤية سياسية قصيرة النظر تتجاهل تعقيدات المنطقة وتطلعات شعوبها. الرد على هذه التصريحات لا يكون بالتصعيد، بل بتأكيد المواقف المبدئية والثابتة لشعوب المنطقة، التي لن تقبل بأي حلول تتعارض مع حقوقها وسيادتها.
إن القضية الفلسطينية ستبقى في صلب اهتمامات شعوب المنطقة، وأي محاولات لتحويلها إلى عبء على دول الجوار لن تنجح. التاريخ أثبت أن شعوب المنطقة قادرة على الصمود، وأن الحلول المفروضة بالقوة لن تكون أبدًا بديلًا عن العدالة والسلام الحقيقي.