النسور يكتب: قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية: المعنى والتداعيات العالمية

د. مهند النسور
مع عودته إلى البيت الأبيض في بداية العام الحالي، جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التزامه بتنفيذ قرار انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وهو القرار الذي اتخذه خلال ولايته الأولى عام 2020. ورغم أن هذا القرار لم يُنفذ في عهد الرئيس بايدن، فقد عاد ترامب ليضعه ضمن أولويات إدارته لعام 2025، مستندًا إلى انتقادات قديمة وجهها للمنظمة.
يرى ترامب أن المنظمة غير فعالة وفشلت في إدارة الكوارث الصحية الكبرى، وعلى رأسها جائحة كوفيد-19، حيث اتهمها بالخضوع لتأثير الصين، والمساعدة في إخفاء منشأ الفيروس. بالإضافة إلى ما يعتبره عدم توازن في المساهمات المالية بين الولايات المتحدة وباقي الدول الأعضاء، وخاصة الصين. علمًا بأن منظمة الصحة العالمية أكدت مرارًا أنها تقف على مسافة واحدة من جميع أعضائها، وأنها ليست طرفًا في النزاعات السياسية. ومع ذلك، فإن الغموض الذي أحاط بالموقف الصيني في بداية الوباء، إلى جانب الطبيعة غير المسبوقة للجائحة، قد ساهم في توتر?الاجواء الدولية بشكل كبير.
يمثل انسحاب الولايات المتحدة ضربة قاسية لمنظمة الصحة العالمية، حيث تعتمد المنظمة على الولايات المتحدة في تمويل ما بين 18% و20% من ميزانيتها السنوية، والتي بلغت هذا العام حوالي سبعة مليارات دولار. وفقدان هذا الدعم، الذي يتراوح بين 450 و500 مليون دولار سنويًا، قد يؤدي إلى نقص حاد في الموارد اللازمة لتمويل برامج مكافحة الأوبئة، والتحصين، والرعاية الصحية في الدول النامية. كما أنه سيضعف قدرة المنظمة على الاستعداد والتعامل مع طوارئ الصحة العامة والاستجابة لها بفعالية.
وفقًا لدستور منظمة الصحة العالمية لعام 1948، يمكن لأي دولة عضو الانسحاب عبر تقديم إخطار رسمي قبل عام من التنفيذ، مع الالتزام بتسوية كافة الالتزامات المالية المترتبة عليها. هذا يعني أن قرار الانسحاب الجديد قد يدخل حيز التنفيذ في يناير 2026، إذا تم الالتزام بالإجراءات القانونية اللازمة.
على الصعيد السياسي، يُنظر إلى هذا القرار على أنه جزء من استراتيجية إدارة ترامب للحد من تدخل الولايات المتحدة في المنظمات الدولية، مع تعزيز التركيز على ما تعتبره «المصالح الوطنية الأميركية». ومع ذلك، واجه القرار من البعض انتقادات واسعة محليًا ودوليًا، حيث اعتبره خبراء الصحة العامة والمجتمع الدولي تهديدًا للنظام الصحي العالمي والأمن الصحي الدولي. فوفقًا لآراء بعض الخبراء، فإن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية يُعد تخليًا عن دورها القيادي في مجال الصحة العالمية، مما قد يفتح المجال لدول أخرى، وعل? رأسها الصين، لتعزيز نفوذها داخل المنظمة. كما أن غياب الولايات المتحدة عن التنسيق الدولي قد يضعف قدرة العالم على مواجهة الأوبئة المستقبلية، خاصة فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات والاستجابة للطوارئ الصحية.
يعكس قرار ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية توجهًا عامًا أوسع نحو تقليص الدور الأميركي في المؤسسات الدولية، مع تركيز أكبر على السياسات والمصالح الوطنية الداخلية. ومع ذلك، فإن هذا القرار يثير مخاوف كبيرة بشأن تأثيره على الصحة العالمية. فمع التحديات التي يواجهها العالم في مواجهة الأوبئة والكوارث الصحية، يبقى تعزيز التعاون الدولي أمرًا لا غنى عنه لضمان استجابة فعالة وشاملة.