مصطفى تكتب: الترشيد الأسري.. ثقافة وقيمة مضافة 2
د. أميرة يوسف مصطفى
في مقالتي السابقة حول التحول الى منظومة القيم الجديدة المتعلقة في الحفاظ على جودة الحياة وتمكين المواطن من القيام بتوفير ما لا يقل عن 30% من الدخل المتوقع في ثورة ترشيدية بيضاء تساعد الحكومة في تقديم الخدمات بالحد الادنى وبفعالية عالية، وهذا يجعل صانع القرار يذهب باتجاه موازِ فيما يتعلقبترشيد الاستهلاك الحكومي والحد من النفقات، مايسهم في خلق ثقافة جديدة لدى متلقي الخدمة من خلال السياسات التي تتبعها الحكومات في الحد من الإنفاق العام.
وفي الإطار ذاته يعد الترشيد الأسري وثقافة الفرد داخل الأسرة موضوع يشكل محورًا أساسيًا لتحسين جودة الحياة الأسرية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، من خلال إدارة الموارد المتاحة بحكمة لتلبية احتياجات الأسرة وتحقيق الأهداف المشتركة، ولا يقتصر الأمر على تقليل النفقات فقط، بل يشمل تحسيناستغلال الموارد بأفضل طريقة ممكنة، فتقوم الأسرةبوضع برامج استهلاكية يتم الاتفاق عليها وإدارتها منقبل ربة الأسرة على سبيل المثال، ويسهم المستوىالعلمي لربات البيوت في السنوات الأخيرة في وضعخطة اقتصادية في المنزل، وموازنة يتم اعتمادها وتحملها؛ لتحقيق الترشيد الأسري وإدارة الموارد بشكلفعال، وعلى الأبناء تفهم هذه الخطة والتمييز بين التدبير الاستهلاكي والبخل في إطار فهم إجتماعي منفتح، وعلى الأفراد تحديد احتياجاتهم السنوية عند وضع إطار عام لموازنة الأسرة بالبنود الرئيسية، دون الخوض في تفاصيل يومية وشهرية كثيرِا، فزواج أحد الأبناء أو إكمال دراسته أو شراء سيارة أو بناء منزل، أو تغيير الأثاث أو المستلزمات الرئيسية توضع في البنود الرئيسية للخطة السنوية، بينما يتم احتساب الضرائب والرسوم الشهرية والمستلزمات من الوقود والطعام والمصاريف الخاصة بالأبناء في البنود الشهرية.
وعند احتساب الحاجات السنوية توضع مصادر التمويل من الرواتب، والمشاريع الصغيرة وجزء من مداخيل المشاريع الكبيرة، ويتم وضع نسبة محددة من الوفر للحالات الطارئة، ويتم أخذ الثقافة الاستهلاكية بعين الاعتبار، فلا حاجة للتبذير في الألبسة والأطعمة، ويتم التقليل ما أمكن من طعام الديلفري لأسباب صحية وبيئية واقتصادية، إذ يتم الاكتفاء بمرة أو مرتين شهريا من مطعم يناسب دخل الأسرة وإمكانياتها، ويمكندعوة الأصدقاء والأقارب للمنزل في أجواء عائلية أكثر حميمية وأكثر فائدة غذائيا وصحيا، وفي هذا الإطاريتعاون الكل بالقيام في أعمال المنزل، فوجود الخادمة زاد من عبء الأسرة الأردنية، وبذلك تتخلص الأسرة من ثقافة الاعتماد على شخص لخدمة الجميع في المنزل، وهذا دخيل على مجتمعنا وحضارتنا وثقافاتنا،ويستنزف قطاع الخادمات مئات الملايين من الدنانير بما يعادلها من العملة الصعبة، وهذا يوازي الحاجة غير الضرورية من العمالة الأخرى في قطاعات الإنشاءات والزراعة بينما يجلس أبناءنا دون عمل وبإنفاق كبير في مجالات يمكن تحديدها وتقليلها.
ومع تراجع الأسرة في القرى وبعض المدن في التكسب الذاتي من الزراعة المنزلية، والرعاية لبعض الدواجن والحيوانات لأجل توفير حاجات المنزل، أو البيع منه ما أمكن لتلبية حاجة الأسرة من الإنفاق.
وتعكف وزارة التنمية الاجتماعية على صرف ما يبلغنصف مليار للفقراء وذوي الحاجة سنويا، يتم صرفه بشكل غير مستدام، وهذا يزيد من الثقافة السلبية الاستهلاكية، فلا يعقل أن يتم صرف رواتب لبعض الأسر التي يوجد فيها من يستطيع أن يؤسسمشروعا صغيرا يحصل من خلاله على المال وربما لا يكون هناك حاجة للدعم الحكومي بعد سنوات، فهناك حاجة لدعم مشاريع ووضعها في إطار تنافسي بدلا من الصرف الإنفاقي الذي يكلف موازنة الدولة الكثير، ويجعل هناك عبء اقتصاديا يشمل القوة الشرائية للدينار، على شكل زيادة في الأسعار.
وهناك حاجة لتوفير ما لا يقل عن ثلث ما يحتاجه الوطن من مداخيل تآكلت بفعل الفهم القاصر لثقافة استهلاكيةعلينا أن نعمل جميعا على التقليل من استنزافها في مسارات غير ضرورية.