الحوراني يكتب: عصر جديد لصناعة الأدوية: التكنولوجيا تقود الطريق
حسام الحوراني
تخيل عالماً تُطوى فيه صفحات الأمراض المزمنة مثل السرطان والزهايمر والباركنسون والسكري إلى الأبد، عالماً تتحدى فيه شركات الأدوية الزمن لتطوير علاجات جديدة في غضون ايام او أسابيع بدلاً من سنوات، وعالماً تُصمم فيه العلاجات خصيصاً لكل مريض بفضل تقنيات فائقة الذكاء. هذا ليس سيناريو مستقبلياً بعيد المنال، بل واقع يقترب بخطوات سريعة بفضل تطورات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. الفرصة الآن بين أيدي شركات الأدوية الأردنية لتتصدر هذا التحول الثوري، وتضع بصمتها في تغيير مسار الرعاية الصحية العالمية..
صناعة الأدوية والمستحضرات التجميلية في الأردن تمتلك سمعة عالمية مرموقة، حيث تصدر منتجاتها إلى كثير من الدول العالمية. ولكن، إذا أرادت هذه الصناعة الحفاظ على تنافسيتها ومواجهة التحديات المتزايدة في السوق العالمية، فعليها أن تفتح أبوابها للابتكار وتعانق التقنيات الحديثة بقوة، وخاصة ان كبرى شركات الادوية العالمية في اميركا و الصين وغيرها تعمل على مدار الساعة في هذا المجال (سرا وعلانية). الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية هما مفتاح تحقيق قفزة نوعية، ليس فقط في تحسين الكفاءة والإنتاجية، بل في إعادة تعريف حدود الممكن في عالم الطب والصيدلة.
الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية والبيولوجية بسرعة لا تضاهى، ما يتيح للشركات تحديد أهداف جديدة للأدوية وتصميم مركبات كيميائية بدقة متناهية. من خلال هذه التقنية، يمكن تقليل تكاليف البحث والتطوير بشكل كبير، وهو ما يمثل أحد أبرز التحديات في صناعة الأدوية. على سبيل المثال، قامت احد الشركات باستخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير لقاحات وعلاجات جديدة خلال جائحة كوفيد-19 في وقت قياسي، مما أنقذ ملايين الأرواح وأعاد الأمل للمجتمعات.
أما الحوسبة الكمية، فهي تمثل المستوى التالي من الابتكار. بفضل قدرتها على حل المشكلات المعقدة التي تعجز عنها الحواسيب التقليدية، يمكن للحوسبة الكمية أن تسهم في نمذجة البروتينات، محاكاة التفاعلات الكيميائية، وتسريع اكتشاف الأدوية بشكل لم يكن ممكناً من قبل. تخيل أن تتمكن شركة أردنية من استخدام هذه التقنيات لتطوير علاج ثوري لمرض مثل الزهايمر او امراض القلب او السرطان، وتصبح بذلك رائدة على مستوى عالمي.
لكن الابتكار لا يقتصر فقط على التكنولوجيا. على الشركات الأردنية أن تعيد التفكير في نهجها من خلال الابتعاد عن تصنيع الأدوية المككرة أو المنتجات التابعة لشركات عالمية ذات التاثيرات الجانبية الخطرة والمؤلمة، والتركيز بدلاً من ذلك على البحث والتطوير لإيجاد علاجات جديدة وفريدة وامنه. الابتكار يتطلب شجاعة واستثماراً، لكنه يفتح أبواباً لا حصر لها من الفرص.
في هذا السياق، يجب على الشركات التعاون مع المستشفيات والجامعات في جميع التخصصات ذات العلاقة مثل اساتذة الطب والصيدلة والتمريض والكيمياء وعلم الاحياء وعلم الحاسوب والذكاء الاصطناعي والهنسة الوراثية والجينية وغيرها، ومراكز البحث الأردنية، والافراد المبدعين في هذه المجال ، وذالك لإنشاء منظومة متكاملة تدعم الابتكار. الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية على استخدام الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، وإقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا العالمية، سيمنح الصناعة المحلية دفعة قوية نحو العالمية.
ولكن يوجد بُعد أخلاقي يجب أن تأخذه الشركات بعين الاعتبار. الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية ليسا مجرد أدوات تقنية، بل يحملان مسؤولية أخلاقية تجاه المرضى والمجتمع. يجب أن يكون الهدف الأسمى هو تحسين حياة الناس واحترام الخصوصية وعدم المساس باخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وليس فقط تحقيق الأرباح.
اليوم، العالم يتغير بسرعة، والانتظار لم يعد خياراً. الشركات التي تستثمر الآن في التقنيات الثورية ستكون قادرة على ريادة المستقبل، بينما من يتجاهل هذه الفرصة قد يجد نفسه متأخراً في سوق تتطلب الابتكار والتميز. شركات الأدوية الأردنية لديها فرصة فريدة لقيادة هذا التحول، وتحقيق إنجازات ليست فقط للمنطقة، بل للعالم أجمع.
اخيرا، إن تبني الذكاء الاصطناعي وحوسبة الكم ضرورة لتحقيق قفزة نوعية في صناعة الأدوية والمستحضرات التجميلية. المستقبل ينتظر من لديه الشجاعة للإبداع والجرأة على التغيير، والأردن، بقدراته وموارده البشرية المميزة، قادر على أن يكون جزءاً من هذا المستقبل الواعد والله ولي التوفيق.