جرار يكتب: عصف ذهني في دماغ عاصف!

{title}
أخبار الأردن -

  بشار جرار

أخذتني من حيث لا أدري خورزميات إكس، منصة إيلون ماسك -تويتر سابقا- إلى ما ورد في مقابلة تلفزيونية عندما وصف حاله بأشبه ما تكون عاصفة في دماغه! ليست عاصفة نشاط أو نشوة بما حققه من نجاحات بل عاصفة عاتية حزينة، وهو الذي يتربّع على عرش أغنى أغنياء الزمان، وربما التاريخ.

كان بحثي -العابر للمنصات ومحركات البحث- مركّزا على تفاعلات الرأي العام الأمريكي والعالمي، خاصة في إسرائيل وألمانيا، على التحية التي قام بتأديتها ماسك -دقّ صدره الأيسر مرتين وفرْد ذراعه بقوة إلى الأمام والأعلى- في غمرة أفراحه بالنصر الشخصي، لا مجرد فوز الرئيس الذي دعمه بقوة ماليا وإعلاميا، دونالد ترامب. فتحت محاولات اليسار التصيد لعدوهم القديم الجديد ترامب ولكل من تحالف معه أو حتى لم ينضم إلى معسكرهم في العداء، فتحت أبواب جهنّم على كل ما يتصل بالنازية ومعاداة السامية، حتى أظهر الأرشيف ما لم يتوقعه أحد وهي التحية ذاتها في مصنع في برلين لسيارات تسلا التي ابتكرها ماسك وقد أدى في حفل افتتاحه التحية ذاتها وخلفها عبارة «هيل تاسلا» في محاكاة أو سخرية من شعار زعيم ألمانيا النازية أودلف هتلر.

الأمر بالغ الحساسية لماسك كونه ينحدر من أسرة عاشت في جنوب إفريقيا -بريتوريا- إبان نظام الفصل العنصري. لكن اللافت أن مقابلة ماسك المشار إليها في مستهل المقال كانت مطلع العام الماضي وقد ارتدى ماسك في عنقه قلادة وضعها في رقبته وعلى عاتقه والدا من التقاهم في إسرائيل وأمريكا من أهالي ذوي الرهائن المخطوفين لدى حماس.

ماذا لو فهم عباقرة الرأي العام ودهاقنة صناعة السرديات وعتاة التلاعب بالمفاهيم والسلوكيات الفردية والجَمعية، ماذا لو اضطرتهم الظروف -خيرا أم شرا- إلى الدخول في خلوة أو في إفطار عمل في عصف ذهني في دماغ عاصف كالذي جاهر به ماسك؟! ماذا سيكون الحال عندما يكون إلى جانب وقبل ذلك الحوار المباشر أو عبر طرف ثالث أو عن بعد مع صاحب ذهنية وشخصية وحضور أكثر تعقيدا وغموضا وحِدّة من ماسك ألا وهو ترامب، ترامب الثاني في ولايته الثانية والأخيرة نظريا، لكنه من الناحية العملية -بحسب ما يقال- ستكون ولاية تأسيسية لاستمرار «ماغا» -اختصارا لشعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا» ولكن بمسحة عائلية، حيث بدأ التحضير الذهني في صفوف الحزب الجمهوري على الأقل لتقديم دونالد ترامب جونيور -نجل ترامب الأكبر- كنائب للرئيس مع الرئيس المقبل -نائب الرئيس الحالي- جيه دي فانس الذي يعتبر بمثابة بوليصة التأمين السياسية على حياة الرئيس الخامس والسابع والأربعين لأمريكا بعد محاولتي اغتيال فاشلتين.

 إحداها -وبما تجلّى بوضوح على الهواء مباشرة في مدينة بَتلَر في ولاية بينسلفينيا- كانت ما بدا وكأنه معجزة إلهية، بمسافة ثُمن بوصة بحسب تقدير ترامب، وميلليميتر بحسب لورينزو سيويل، القس المعمداني من الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية الذي ألهب حفل التنصيب حماسة تحت قبة روتندا الكونغرس باستذكار دعاء القس مارتن لوثر كينغ داعية الحقوق المدنية الأيقوني الذي صاح بصوته الجهوريّ وبحرارة عام 1963: أحرار، أحرار، أخيرا أحرار «فري آت لاست». وردت تلك الجملة الذهبية في الخطاب التاريخي الشهير ب «لديّ حلم».. تلك الصورة التي لا تنسى بالأبيض والأسود أمام النُصب الرخاميّ الأبيض العملاق لأبراهام لينكولن في العاصمة واشنطن، الرئيس الذي انتصر بالحرب الأهلية وألغى العبودية في أمريكا.

هذه أيام مفصلية تكتسب فيه الكلمة، الصورة، الإيماءة وحتى ملامح الوجه أهمية كبرى، لها عواقب أكبر. هي أمانة يحفظها ويحسن تقديرها الحكماء. وفي ظل خروج المشهد الإعلامي والسياسي عن أطواره في العالم كله، في هذه القرية الصغيرة، ترجع الأمور إلى أصلها، إلى كونها في المقام الأول أمانة مهنية ومسؤولية فردية. من حق الجميع باسم الصالح العام، عدم التساهل مع كل من «شطح ونطح»، وعدم التراخي مع من يرى في اشتباكات العصف الذهني في الأدمغة العاصفة «سداحا مداحا». لا نملك لا أموال ولا منصات ولا نفوذ ماسك حتى نخوض حروبا هامشية لا يحسن شنها أو الاستدراج إليها إلا من أدمنوا العيش تحت الأرض وفي الأزقة -في الظل أحيانا وفي الضوء أحيانا- سواء كانت كما يقال أزقة «حواري» أو ناطحات سحاب في الجوار أو عبر البحار!!


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير