البراسنة لـ"أخبار الأردن": تحويل الضفة إلى خزان استيطاني

{title}
أخبار الأردن -

 

قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور أيمن البراسنة إن الضفة الغربية شهدت في الآونة الأخيرة تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا غير مسبوق، تمثل في عملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة جنين ومخيمها، وعدة بلدات مجاورة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا التصعيد، الذي يأتي بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يحمل أبعادًا سياسية، وأمنية، واستراتيجية متداخلة، تتجاوز الأهداف المعلنة لتكشف عن دوافع أعمق تتصل بالصراعات الداخلية في إسرائيل، ومحاولات فرض واقع جديد في الضفة الغربية يخدم المشروع الاستيطاني.

محاولة التغطية على فشل الاحتلال في غزة

وبيّن البراسنة أن توقيت العملية العسكرية يأتي حتى يعوض الاحتلال الإخفاقات التي تكبدها في قطاع غزة، حيث فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي انتصار ملموس أمام صمود المقاومة الفلسطينية، مضيفًا أن هذا الفشل مثّل ضربة قوية لهيبة جيش الاحتلال، وكرامته أمام جمهوره الداخلي وأمام العالم، ومن هنا، جاء التصعيد في جنين وسيلةً لإعادة ترميم صورة الجيش الإسرائيلي وإظهار قدرته على الردع، ولو على حساب المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

عودة ترامب وفرص المشروع الاستيطاني

وذكر أنه في ظل عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، تبدو حكومة بنيامين نتنياهو عازمة على استغلال هذا الظرف لإحياء مشاريع ضم الضفة الغربية، التي كانت جزءًا رئيسيًا من "صفقة القرن"، وهذه المشاريع تهدف إلى تهويد أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية وتحويل الضفة إلى "خزان استيطاني"، مع الإبقاء على الفلسطينيين في حالة من العجز الجيوسياسي والاقتصادي.

منافسة تيار الصهيونية الدينية

وأشار البراسنة إلى أن هذا التصعيد يتزامن مع تنافس محموم داخل تيار الصهيونية الدينية، خاصة بين إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، إذ يسعى بن غفير إلى استغلال التصعيد العسكري في جنين لتعزيز شعبيته بين اليمين المتطرف في إسرائيل، بينما ينظر سموتريتش إلى العملية باعتبارها جزءًا من استراتيجيته لضمان أمن المستوطنات، التي تعد القاعدة الانتخابية لتياره السياسي، ذلك أن هذه المنافسة تعكس حالة الاستقطاب داخل اليمين الإسرائيلي، حيث يحاول كل طرف تحقيق مكاسب سياسية على حساب الدم الفلسطيني.

الأهداف الخفية: ضرب المقاومة وإعادة تشكيل الضفة

أما على المستوى الأمني، تهدف العملية إلى تدمير البنية التحتية للمقاومة في جنين، التي أصبحت أحد أبرز مراكز العمل المقاوم في شمال الضفة الغربية، فالاحتلال يدرك أن جنين تمثل حجر الزاوية في معادلة الردع الشعبي الفلسطيني، لذلك، يعد استهدافها محاولة لخلق حالة من الردع العام، وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، تمهيدًا لتفكيكها تدريجيًا، وفقًا لما صرّح به البراسنة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

أداة الضم الزاحف

وذكر أن طبيعة العمليات العسكرية تفضح مساعي إسرائيل الرامية إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في تعزيز المشروع الاستيطاني على حساب الوجود الفلسطيني، إذ تشير التقارير إلى أن المستوطنات في الضفة الغربية أصبحت بمثابة "حزام أمني" للسيطرة على الأراضي المصنفة "ج"، وهي مناطق تشكل ما يزيد عن 60% من مساحة الضفة، وهذا المشروع الاستيطاني يهدف إلى تفكيك التطلعات الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة، وتحويل الضفة إلى مجموعة "بؤر معزولة" محاطة بمستوطنات مترابطة جغرافيًا.

ونوّه البراسنة إلى أن التصعيد العسكري في جنين يمثل جزءًا من خطة أوسع تهدف إلى دفع الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية، سواء عبر تضييق الخناق الاقتصادي، أو من خلال السياسات الأمنية القمعية، فالوقائع تشير إلى ما يخطط له الاحتلال من إعادة إنتاج سيناريوهات التهجير التي عاشها الفلسطينيون في نكبة عام 1948، ولكن بأساليب جديدة أكثر تعقيدًا، تعتمد على خلق بيئة معيشية مستحيلة للفلسطينيين.

الانعكاسات على الداخل الإسرائيلي

داخليًا، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استخدام التصعيد في جنين كأداة لاسترضاء شركائه في الحكومة اليمينية المتطرفة، لا سيما سموتريتش، الذي هدد بالانسحاب من الائتلاف الحاكم في حال استمرار وقف إطلاق النار مع غزة، لكن هذه المحاولات لم تنجح في تقليل التوترات داخل الحكومة الإسرائيلية، التي تعاني من انقسامات حادة بشأن كيفية التعامل مع الملف الفلسطيني.

مآلات التصعيد: احتمالات انفجار واسع

إن استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية يحمل في طياته احتمالات خطيرة لتصعيد أوسع. المقاومة الفلسطينية، التي أثبتت قدرتها على إدارة المعارك في غزة، أظهرت مؤخرًا تطورًا ملحوظًا في الضفة الغربية من حيث التخطيط والتنظيم، ومن المتوقع أن تؤدي سياسات الاحتلال إلى زيادة وتيرة العمليات المسلحة، خاصة في ظل حالة الاحتقان الشعبي المتصاعدة.

واستطرد البراسنة قائلًا إن ما يحدث في جنين هو فصل جديد من محاولات الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية، عبر تكريس واقع استيطاني دائم، وضرب أي فرص لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن هذه السياسات قد تأتي بنتائج عكسية، إذ إنها تعزز من صمود الفلسطينيين وتصاعد المقاومة الشعبية والمسلحة.

وتابع متسائلًا ما إذا سيستطيع الاحتلال فرض واقع دائم في الضفة الغربية؟ أم أن صمود الفلسطينيين سيعيد خلط الأوراق ويؤدي إلى قلب الطاولة على المشاريع الإسرائيلية؟.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير