تفتيت الضفة الغربية إلى كانتونات منفصلة

قال الخبير الأمني والاستراتيجيّ الدكتور عمر الرداد إن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية اتخذ - منذ السابع من أكتوبر - منحىً أكثر وضوحًا وشمولية، في ظل سعي الاحتلال الإسرائيلي لاستغلال الأحداث في غزة لربط ساحات الصراع.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه ومنذ تلك اللحظة، ركزت إسرائيل على تقديم الضفة الغربية كساحة تضامن مع غزة، مدعيةً أن التحركات هناك تتم بتوجيهات إيرانية، عبر دعم مباشر لكتائب حماس والجهاد الإسلامي، خاصة في شمال الضفة الغربية في جنين وطولكرم، مضيفًا أن إسرائيل كانت قد روجت مرارًا لمزاعم تفيد بأن هذه الكتائب تتلقى دعمًا لوجستيًا وماليًا من إيران عبر الحركتين، في إطار تعزيز روايتها الأمنية أمام المجتمع الدولي.
غير أن التصعيد الأخير الذي شهدته الضفة خلال الأيام الثلاثة الماضية يبدو أنه يرتبط، بشكل مباشر أو غير مباشر، باتفاق الهدنة في قطاع غزة، فمع توقف العمليات العسكرية في القطاع، انتقل التركيز الإسرائيلي إلى الضفة الغربية لتكثيف العمليات الأمنية والعسكرية، مستغلة حالة الهدوء النسبي في غزة، وهذا التصعيد يعكس التوجه الاستراتيجي للقيادة الإسرائيلية الحالية، التي تتبع نهجًا يمينيًا متطرفًا يهدف إلى ترسيخ السيطرة على الضفة الغربية وتعزيز المشروع الاستيطاني، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية لا يمكن فهمه دون ربطه بالسياقات التاريخية والدينية التي تشكل جزءًا من الخطاب السياسي الإسرائيلي، فاليمين الإسرائيلي ينظر إلى الضفة الغربية بوصفها جوهر "أرض الميعاد"، حيث تقع معظم المواقع التي يدّعون أنها تحمل قيمة تراثية ودينية لليهودية، مثل القدس والخليل ومناطق أخرى، مشيرًا إلى أن هذا الخطاب الديني يُستخدم غطاءً لإجراءات تهويدية واسعة النطاق تهدف إلى تغيير هوية الضفة الغربية وفرض واقع استيطاني يصعب تغييره مستقبلًا.
إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهداف استراتيجية عبر التوسع في بناء الحواجز العسكرية، التي تزيد عن 800 حاجز، لتفتيت الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات منفصلة، في نهجٍ يعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويعيق أي محاولات فلسطينية لتوحيد الموقف أو الجغرافيا.
وذكر الرداد أن فكرة الدولة الفلسطينية تواجه على الجانب السياسي، رفضًا متزايدًا داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة بعد السابع من أكتوبر، فقد أظهرت التيارات اليمينية المتطرفة قدرة غير مسبوقة على التأثير في الخطاب العام، بل وحتى امتلاكه، ما أدى إلى تراجع أي نقاش جدي حول إمكانية إقامة دولة فلسطينية، مستطردًا أن الخطاب الإسرائيلي الرسمي بات يركز على تقويض السلطة الفلسطينية، ورفض أي وجود مستقل لحماس في غزة أو الضفة، في إطار مشروع سياسي أوسع يقوم على تجزئة الفلسطينيين إلى "إمارات" أو "كيانات عائلية" منفصلة.
ولفت الانتباه إلى أن هذا المشروع، الذي يعكس رؤية استعمارية متجذرة في سياسات الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة في القرن الماضي، يلقى رفضًا قاطعًا من الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، إذ يُنظر إليه كجزء من مساعٍ إسرائيلية لتكريس الاحتلال وإلغاء أي أفق لحل الدولتين.
دوليًا، ورغم استمرار الدعم اللفظي لمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، فإن الرؤية الأمريكية في عهد ترامب انحرفت نحو "السلام الاقتصادي" بديلًا عن "السلام مقابل الأرض"، وهذه الرؤية، التي تتبنى صيغة أعلى من الحكم الذاتي وأقل من الدولة، تعكس تقليصًا كبيرًا لسقف التوقعات الفلسطينية، كما أنها تتماشى مع الخطاب الإسرائيلي الذي يسعى إلى إلغاء أي انسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 وتحويل القضية الفلسطينية إلى ملف اقتصادي بحت، بعيدًا عن جوهرها السياسي والحقوقي.
وتابع الرداد أنه في ظل هذه التطورات، يبدو أن القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي سيواصلان العمل على مواجهة هذه الطروحات اليمينية المتطرفة، ومع استمرار الضغوط الإسرائيلية على الأرض، بما في ذلك محاولات التهجير القسري والتضييق على الفلسطينيين، يصبح الوضع في الضفة الغربية أكثر خطورة، الأمر الذي يتطلب تحركًا دوليًا جادًا لوقف هذه السياسات وإعادة فتح الأفق السياسي لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.