نظريات وسائل التواصل الاجتماعي: بين التأثير النفسي والتلاعب السياسي
محمد صبيح الزواهرة
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أهم الأدوات المؤثرة على حياة الإنسان في العصر الحديث، حيث تتجاوز تأثيراتها حدود الفرد لتطال المجتمعات بأسرها. لم تعد هذه المنصات مجرد وسيلة للتواصل، بل تحولت إلى ساحة للصراعات الاجتماعية والسياسية، مما يُثقل كاهل الأفراد نفسيًا ويعيد تشكيل علاقتهم بأنفسهم وبالآخرين. لفهم هذا التحول، يمكن قراءة تأثير وسائل التواصل من خلال مجموعة من النظريات التي تجمع بين البُعد النفسي والواقع السياسي.
1. نظرية المقارنة الاجتماعية (Social Comparison Theory)
على وسائل التواصل الاجتماعي، تتحول المقارنة إلى أداة سياسية خفية تُعيد تشكيل وعي الأفراد. تُعرض حياة الآخرين بطريقة مُثقلة بالرمزية الاجتماعية التي تعكس أنماطًا طبقية وسياسية تُشعر الأفراد بالدونية أو التهميش. هذا يعزز الشعور بالحرمان النسبي، الذي يُعد أحد الدوافع الرئيسية للاحتجاجات الاجتماعية والسياسية. عندما يرى الأفراد صورًا للرفاهية أو النجاح في مقابل معاناتهم اليومية، فإن هذه المقارنات لا تقف عند حدود النفس، بل تُترجم إلى سخط اجتماعي يُغذي النزاعات الطبقية والسياسية.
2. نظرية الاستنزاف العاطفي (Emotional Exhaustion Theory)
في السياق السياسي، يُضاف للاستنزاف العاطفي النفسي عبء القلق الجماعي الذي تفرضه الصراعات السياسية المستعرة على منصات التواصل. تتعرض المجتمعات لسيل من الأخبار الزائفة، والمآسي الإنسانية، والانقسامات الفكرية، مما يستنزف طاقة الأفراد العاطفية ويجعلهم أقل قدرة على التعامل مع الأزمات الواقعية. هذه الحالة تُضعف قدرة الفرد على التمييز بين الحقيقي والمُصطنع، مما يجعل وسائل التواصل ساحة مثالية لزرع الانقسام وتعزيز الهيمنة السياسية.
3. نظرية الإدمان السلوكي (Behavioral Addiction Theory)
تُستخدم تقنيات الإدمان السلوكي من قبل القوى السياسية لتحويل وسائل التواصل إلى أداة تعبئة وتوجيه. الإشعارات، والأخبار العاجلة، وخطابات الكراهية، كلها تعمل على تحفيز استجابات نفسية تُبقي الأفراد مشدودين للشاشة، مما يُتيح للأنظمة السياسية أو الحركات الأيديولوجية التحكم في وعي الجماهير وإعادة تشكيل اهتماماتهم وفقًا لأجندات محددة.
4. نظرية التأثير الإعلامي (Media Effects Theory)
وسائل التواصل الاجتماعي ليست محايدة، بل تُدار بمنطق رأسمالي-سياسي يوجه المحتوى ليخدم مصالح القوى المسيطرة. تُقدم الصور المثالية للجمال والنجاح بشكل يتجاوز الفرد، ليعكس مفاهيم الهيمنة الثقافية التي تفرضها قوى سياسية أو اقتصادية كبرى. هذه الهيمنة لا تؤدي فقط إلى اضطرابات نفسية، بل تُضعف الحس النقدي لدى الأفراد، مما يجعلهم أكثر تقبلًا للدعاية السياسية والإعلامية.
5. نظرية الخصخصة الاجتماعية (Social Displacement Theory)
التأثير السياسي الأبرز لهذه النظرية يكمن في تآكل العلاقات الاجتماعية الواقعية، ما يُضعف الروابط التقليدية التي كانت تُشكل أساس الحراك السياسي. الوقت المُهدر على وسائل التواصل لا يُبعد الأفراد عن التفاعل المباشر فحسب، بل يُعيد تشكيلهم كأفراد منعزلين يسهل التأثير عليهم من خلال الدعاية الموجهة، مما يحد من قدرتهم على التنظيم الجماعي والمقاومة الفعلية.
وسائل التواصل ليست مجرد أداة تقنية تُستخدم للتسلية أو التواصل، بل هي ساحة معركة نفسية وسياسية تُعيد تشكيل الواقع الاجتماعي. هذه النظريات ليست فقط تفسيرات علمية، بل هي أيضًا دعوة لإعادة التفكير في العلاقة بين الفرد والمجتمع والنظام السياسي في عصر الهيمنة الرقمية.