ذوو الاحتياجات الخاصة والاختلاف
خالد الغنامي
لعل تشوانغ تسي هو المعلم الثاني في الطاوية بعد لاو تزو، ولعله أيضا أول فيلسوف يتخصص في قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة. في بعض كتاباته تحدث عن رجل يدعى شو، وهو على ما يبدو مِن وصفه، من الأشخاص الذين يصفهم البعض بذوي الإعاقة، إلا أن فيلسوف الطاوية كان ينظر إليه نظرة مختلفة. لا غرابة في ذلك فمعظم ما كتبه هذا الحكيم يخالف السائد ونظرة المجتمع. ولذلك وجدناه يتحدث عن شو المحظوظ الذي نجا من التجنيد الإجباري والعمل القسري. ومع ذلك لم يكن عالة على مجتمعه ولا على أي أحد، بل كان يعمل في مجال حياكة الملابس وغسلها. لقد وجد مجالا للعمل خاصا به، تحديدا لأنه مختلف عن الآخرين. هناك أناس نادرون مثل تشوانغ تسي لديهم هذه القدرة الفطرية على التفاؤل والنظر إلى الجانب المشرق في كل موقف.
هذا الرأي قد يبدو غريبا في كل الثقافات، لكن هكذا هي الطاوية، هي الفكر المختلف عن كل المواضعات البشرية، بل يبدو الخروج عما عهده الناس سمة جوهرية فيها. لقد جاءت لكي تهدم ما تواضع عليه الناس، أو على الأقل، تشكك فيه.
ربما كان اليونان هم أول من قرر أن الإعاقة أمر سيئ بطبيعته وكانوا يتطيرون ويتشاءمون من ذوي الاحتياجات الخاصة أشد التشاؤم. في قصة الثلاثمائة رجل الذين تصدوا لغزو الفرس، يظهر صاحب الإعاقة في صورة سيئة، على أنه من غدر بأصحابه ووشى بهم، ربما نتيجة لسوء معاملتهم له. وفي فلسفة أفلاطون هناك ربط بين الفضيلة والجمال، وربطهما بالحالة الطبيعية. وفي محاورة "كريتو" عن العدالة والظلم لأفلاطون، يقرر سقراط أن الحياة الطيبة والحياة الجميلة والحياة العادلة كلها شيء واحد. وأن الحياة لا تستحق أن تُعاش بجسد فاسد أو في حالة سيئة.
في وقت لاحق، زعم أرسطو، تلميذ أفلاطون، صراحة في كتابه "السياسة"، أنه لا ينبغي تربية طفل مشوه، بل ينبغي بدلا من ذلك تركه ليموت. وفي وقت لاحق، وجد الفلاسفة المسلمون واليهود والمسيحيون أن مفهوم أرسطو المعياري للطبيعة البشرية متوافق مع تصوراتهم، فالصورة المثالية للكائن البشري موجودة في العقل الإلهي، الذي "خلق الإنسان على صورته" وهكذا تعتبر كل الاختلافات عن هذه القاعدة منحرفة. وليس من قبيل المصادفة أن يوجد في وصايا رجال الدين أنه لا يجوز أن يصل إلى منصب الكاهن من كان أعمى أو أعرج أو مشوه اليدين أو القدمين أو معوجا أو قزما أو به عيب في عينه.
أما تشوانغ تسي فقد تصدى لمفهوم الكونفوشيوسية عن الحالة الطبيعية التي تقرر ماهية الطبيعة البشرية، وهذه الطبيعة البشرية هي التي تحدد كل الحقائق المعيارية المنشودة، مثل عدد الأطراف التي ينبغي للإنسان أن يمتلكها، ومعايير الجمال الجسدي، والأذواق في الطعام والموسيقى والأخلاق. رأي كونفوشيوس يعني أن "الاختلاف" عيب.
وجهة نظر تشوانغ تسي، أن في منظور الكون، لا يوجد تمييز حقيقي بين غير المعاقين والمعاقين: لا يوجد شيء لا تغطيه السماء، ولا شيء لا تتحمله الأرض. وكونفوشيوس هو المعاق حقا بسبب عجزه عن الرؤية. مفهوم الإعاقة نفسه مشروط اجتماعيا، ويُعرَف بحدود المجتمع، ولكنه ليس القيمة الحقيقية للفرد.
ويفهم تشوانغ تسي الفضيلة على أنها تتجلى في العيش وفقا للطبيعة. يحدث الفساد، وفقا لتشوانغ تسي، فقط عندما ينحرف المرء عن مسار الطبيعة. إذا ما قررت الطبيعة أن تكون للإنسان ذراع واحدة وأطراف متباعدة أو ظهر منحنٍ، فإن الإنسان يستطيع أن يتقبل هذه التغيرات وينسجم معها، فالفضيلة لا تتخذ أي شكل محدد.