عام الصدمات الكبرى

{title}
أخبار الأردن -

   سائد كراجة

أحدثت عملية طوفان الأقصى صدعًا مزلزلا، وتركت أخدودا عميقا في وعيِ ومعرفةِ وسياسةِ واقتصادِ معظم شعوب ودول العالم؛ فمنذ السابع من أكتوبر العام الفائت، بُهت العالم بعملية عسكرية نوعية نفذها فصيل محاصر منذ سبعة عشر عامًا ضد أقوى جيش في المنطقة، ودخل الجميع في حالة من التساؤل والدهشة، وأحيانًا التشكيك من كل جانب؛ فكيف يمكن لإسرائيل، بكل قوتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، أن تغيب عن الوعي لمدة ست ساعات متواصلة؟ كيف استطاع المحاصَرون التخطيط، والتدريب، والتجهيز، مع إبقاء خططهم في طي الكتمان عن عدو متربص متجسس؟.

ومنذ تلك الدهشة ونحن نغرق في دوامة من المفاجآت والصدمات والكثير الكثير من الأسئلة.  

كيف يقبل العرب وبشكل خاص الأنظمة العربية بانتهاك غزة وهم شهودٌ للجرائم الإبادية على شاشات التلفاز؟ كيف يكون الخلاف- أو بالأحرى العداء- السني الشيعي أكثر أهمية عند المسلمين من الانتصار لقيم الدين التي يُبَشِّرون بها كل جمعة على المنابر، من مثل شعارات البنيان المرصوص وأسنان المشط!، في موقف مهين ومتخاذل أُعلِنَ عن انهيار مفهوم الأمة العربية والإسلامية حكما!  

كيف خرج من أحشاء دول أوروبا وأميركا «المتحضرة» دولة عميقة إمبريالية استعمارية تذكرنا بتاريخها الهمجي البربري في الكونغو، حيث قطّعت أيادي العمال بكل ساديةٍ لإجبارهم على السخرة، وبسرقتها لخيرات الهند، وكيف جوعت أهل بنغلاديش، وكيف كوّمت جماجم الجزائريين في مخازن متاحفها رافضة للآن الاعتراف بجرائمها الفظيعة!.

كيف يسقط عن أوروبا وأميركا قناع حقوق الإنسان وخطاب عالميتها، ليظهر جليًا أن حقوق الإنسان ليست سوى بضاعة أوروبية مخصصة للإنسان الأوروبي وحده.

كيف لحركات الثورات العربية وإن بدأت شعبية، ألا تبرح خطواتها الأولى حتى تحتمي بأنظمة مرتهنة أو أنظمة أجنبية لها أجنداتها في المنطقة؟!، حيث تكون مصلحة وحرية المواطن العربي على أسفَلِ لائحة أولوياتها؟ وكيف يتشكل هذا الثائر المجاهد العربي الإسلامي، من أقصى التطرف وإقامة دولة متخيلة، إلى نفعي براغماتي أكثر براغماتية من ميكافيلي نفسه، ورحلة السيد الجولاني مثال على ذلك. 

كيف تتحول أميركا من حليف إستراتيجي إلى عدو محتمل، مذكّرةً إيانا بتاريخها الحافل بالانقلاب على حلفائها؟ فقد انقلبت على شاه إيران، وعلى حسني مبارك، واليوم، تتخذ موقفًا صامتًا أو معارضة خجولة لدعوات حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن!

كيف ركنّا إلى حالة سلام مع الصهيونية العالمية بوهم أن إسرائيل شريكٌ في السلام ليظهر لنا أن مشروعها التاريخيّ لم يتغير وأنها عبارة عن مشروع إحلالي تهجيري ليس فقط لأرض وشعب فلسطين، بل لأغلب منطقة الهلال الخصيب وجزءٍ من العراق ومصر والسعودية، كيف غابت عنا هذه؟ وكيف خدعت أنظمتنا في الأساس؟ كيف خدع تيارٌ عريضٌ من الشعب بوهم السلام معها رغم أن أدبياتها وأفكارها الاستعمارية منشورةٌ ظاهرةٌ متداولة! 

وكيف للإسلام السياسي أن يفشل في مصر والمغرب وسورية والعراق وليبيا والسودان، ويتحول إلى ما يشبه جيوشًا متناحرة في معركة صفين والجمل، ويغرق في إدانة أو تبرئة العقد الضائع! وكسر ضلع فاطمة الزهراء!!  وما زال يدعو سرا وعلنا لدولة متخيلة أو دولة نجحت باشتراطات نبوية رغم إقرارهم بختم النبوة بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

كيف تجمّد الفكر لدينا، وتسمر الليبراليون والتقدميون والتنويريون، واكتفوا من التنوير والتقدم بمظاهر «الزهزهة»، بينما نكصوا عن النضال الفعلي والعملي على أرض الواقع؟ وكيف أخفقوا في تبيئة أفكارهم لتناسب إنسانهم وحضارتهم؟ وكيف تصلب اليسار، وما زال يفكر ويتصرف ويحكم ويناصر وكأن لينين ما زال حيًا والاتحاد السوفيتي قائمًا؟ وكيف، رغم اعتماده الماركسية كطريق علمي للتفكير، عجز حتى عن إجراء مراجعات فكرية ولو شكلية، كما فعلت الحركات الجهادية؟ 

كيف وكيف وكيف، ومع انتهاء سنة ونيف من الصدمات والأسئلة والاندهاش والكثير الكثير من التحليل والفهلوة في التنبؤ، فإن الحقيقة الماثلة أن هنالك فشلا حضاريا فكريا سياسيا اقتصاديا وأنه فشل جامع مانع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فلا شيء آمن، لا الدول والأنظمة ولا الشعوب ولا الأفراد، لا تقولوا سوداوية جنابكم، انظروا بتمعن حولكم فإن الإقرار بالواقع أول متطلبات تغييره! 


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير