رؤية التحديث وعودة السياسات الصناعية

{title}
أخبار الأردن -

  يوسف منصور

عادت السياسة الصناعية إلى الظهور في الكثير من دول العالم، حيث تتبنى الحكومات في مختلف أنحاء العالم استراتيجيات صناعية لتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي وضمان أن يكون النمو شاملاً ومستداماً. رغم اختلاف المسميات، ما موقع رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن من تكوين هذه السياسات التي أصبحت تهيمن على العالم؟.

غالبًا ما يتم صياغة سياسات واستراتيجيات الابتكار من قبل القطاع العام بالشراكة مع القطاع الخاص من خلال السياسات الصناعية للدول، والتي ليست أبداعا جديدا أبدا. فمثلا السياسات الصناعية ليست جديدة على الولايات المتحدة، فقد بدأت منذ عهد رئيس الولايات المتحدة الكسندر هاملتون في القرن الثامن عشر بدعوته لدعم قطاع التصنيع الأمريكي من خلال التعريفات الجمركية الحمائية وتقديم الإعانات للصناعات المحلية وامتدت على مر الزمن لتصل إلى برامج الصفقة الجديدة لروزفلت في ثلاثينيات القرن العشرين التي كان لها الأثر الكبير في إخراج?أمريكا من فترة الكساد الكبير ثم بدأت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة في السباق التكنولوجي مع الاتحاد السوفييتي. ومؤخرا في عام 2022 خلال فترة رئاسة جوزيف بايدن يضخ قانون CHIPS والعلوم (CHIPS) والتشريعات الأخرى المرافقة له، كقانون خفض التضخم وقانون عَصَرَنَة البنية التحتية، أكثر من 2 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي لتمكين تنفيذ استراتيجية صناعية أمريكية حديثة، ستكّون البنية التحتية والأسواق الأمريكية لعقود قادمة، وليتعاون على تحقيقها الحكومة والصناعة والعمال.

كما استثمرت حكومات كوريا الجنوبية في استراتيجيات صناعية واسعة النطاق، بدءًا من ستينيات القرن العشرين، وأعادت تشكيل اقتصادها، الذي كان في الخمسينيات من القرن العشرين واحدًا من أفقر اقتصادات العالم، حيث دعمت الحكومة الكورية الشركات المحلية ماليًا، ووجهتها نحو الإنتاج التكنولوجي ذي القيمة الأعلى والصناعات القائمة على التصدير.

إن من المتفق عليه حسب التجارب العالمية أن الابتكارات الكبيرة تنتج عن تواجد شبكة معقدة من الجهات الفاعلة والمؤسسات وحدوث تفاعلات قوية بينها لتؤثر على معدل ونمط إنشاء المعرفة ونشرها عبر الاقتصاد ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي من خلال ابتكارات تزيد من إنتاجية موارد الإنتاج. لذا يعتبر الابتكار المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وهو ثمرة الاستثمار الجماعي من قبل المؤسسات العامة والخاصة. وحين يرافق الابتكار الديموقراطية والسياسات الاحتوائية يتراكم النمو ليصبح نهج تنمية للبلد.

وبينما اختارت السياسات الصناعية في الماضي التركيز على تنمية قطاعات معينة، فإن الاستراتيجيات الصناعية الحديثة يقودها وعي ودراية بالتحدي، كما هو الحال في رؤية التحديث الاقتصادي، فتختار الأهداف أو المهام، وتساعد في تنسيق الاستجابات بين القطاعات.

ولأن الرؤى يجب أن تكون مدعومة بالتفاؤل، فإن واقع الحال يتطلب أن نتفاءل بالاخبار الجيدة، مثل أن الحكومة تطرح مشاريع كبرى تقلل من تكاليف الإنتاج، وتحفز الإنتاجية، وتولد مئات إن لم يكن آلاف من المشاريع المتوسطة والصغيرة. كما تقوم ممثلة برئيسها ووزرائه بزيارة المحافظات، ليس من أجل الصور بل لتحفيز التنسيق بين أطراف المملكة والنهوض بها وسد الثغرات التي تراكمت في السابق. فخلال شهرين فقط زار رئيس الوزراء مواقع في سبع محافظات بمعدل زيارة كل يومين، وأوعز ب71 تدخل تنموي ثلثها تم إنجازه فعلا والباقي قيد التنفيذ. كما ل? أسمعه مرة يلقي شعرا أو يعد بعموميات، بل يقدم جداول محددة ويضع برامج تنفيذية وشواهد للانجاز، ويلتقي بمستثمرين واقتصاديين من مختلف القطاعات، ويتفاعل استراتيجيا مع متغيرات الأردن والمنطقة.

الواضح أن رؤية التحديث الاقتصادي هي سياسة صناعية من الطراز الأول، أجمل ما فيها أنها ستنفّذ ومن قبل فريق وزاري نحترمه، لذا: نعم، إن القادم أجمل.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير