عندما تُنير المسؤولية الأدبية طريق العدالة والكرامة..

{title}
أخبار الأردن -

 

محمود الدباس - ابو الليث

في عالمٍ تكثر فيه الحوادث وتتسارع فيه الأحداث.. يبقى السؤال الأهم.. كيف يمكن للدولة أن تُبقي شعور العدالة حياً في نفوس مواطنيها؟!.. إن الإجابة تكمن في مفهوم المسؤولية الأدبية التي لا تُقاس بالقوانين أو التحقيقات الرسمية فقط.. بل تُقاس بتفاعل القيادة مع مشاعر الشعب وآلامه.. وبإظهار أن الأخطاء مهما كان مصدرها.. لن تمر دون وقفة احترام وإجراءات تليق بعَظمَة الموقف..

المسؤولية الأدبية ليست ترفاً سياسياً أو موقفاً شكلياً.. بل هي جسرٌ يربط بين السلطة والمواطنين.. بين الهيبة الرسمية.. والعدالة الاجتماعية.. حين يُقدِّم الوزير أو المسؤول الأول استقالته عقب حادثٍ مروّع يمسّ أرواح الأبرياء.. أو يمسّ الممتلكات العامة.. فهو لا يعترف بالذنب.. بل يُقر بأن موقعه ليس امتيازاً بل أمانة.. وأن الكرسي الذي يشغله أكبر من شخصه.. وأن هيبة الدولة تكمن في قدرتها على الاعتراف وتحمل تبعات المسؤولية..

في اليابان مثلاً.. استقال وزير النقل بعد حادث قطار.. أودى بحياة العشرات.. رغم أن التحقيقات أثبتت لاحقاً أن الخطأ كان تقنياً.. ولا علاقة له بسياسات وزارته.. لكن هذا الوزير لم ينتظر نتائج التحقيق.. بل واجه الشعب بتواضع الكبار.. مقدّماً استقالته.. ليؤكد أن الإنسان في اليابان أهم من المناصب.. وأن مشاعر المتضررين وذوي الضحايا.. لا تُجبَر إلا بخطوةٍ تليق بحجم الألم..

وفي ألمانيا.. قدم وزير الدفاع استقالته.. بعد حادث تحطم مروحية عسكرية خلال تدريب.. رغم أنه لم يكن السبب في الحادث.. ولم يكن له علاقة مباشرة به.. لكنه أدرك أن كرامة الجندي الألماني.. وحقوق عائلته.. لا يمكن أن تُطمس خلف أسوار التحقيقات.. أو تبريرات اللجان.. فاختار أن يكون نموذجاً حياً للقيادة التي تحترم جنودها وشعبها..

أما نحن.. فهل لدينا من يمتلك الشجاعة الأدبية والإنسانية ليُبادر المسؤول.. بموقفٍ يرتقي إلى حجم المأساة؟!.. هل ندرك أن المسؤولية الأدبية لا تقتصر على إصلاح الخلل الإداري فحسب.. بل تمتد لتعيد الثقة بين الحكومة وشعبها؟!.. إن المسؤول الذي يواجه المجتمع بموقف نبيل عند الأزمات.. يُبقي جذوة الأمل مشتعلة.. ويُظهر أن الدولة ليست آلة بيروقراطية.. بل كيان حي يشعر مع مواطنيه..

المسؤولية الأدبية ليست إقراراً بالذنب.. بل إعلانٌ عن أخلاقيات القيادة.. هي اعترافٌ بأن الأرواح والمشاعر أثمن من المناصب.. وأن احترام الشعب.. يبدأ من احترام آلآمه ومعاناته.. فهل نملك من الشجاعة ما يكفي لتطبيق هذا المفهوم؟!.. أم ستبقى الأرواح تُزهق.. والحوادث تمر.. والمواطن ينتظر عدالةً تأتي ولا تأتي؟!..

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير