الأردن بعد ثلاث حروب
ماهر أبو طير
استفردت إسرائيل بغزة ولبنان وسورية بشكل متتابع، من خلال العمليات العسكرية وتدمير كل البنى التي تهددها، مع اختلاف التأويلات حول ما قد يجري خلال الفترة المقبلة من تغيرات.
إسرائيل دمرت قطاع غزة، وقتلت عشرات الآلاف، ودمرت كل بنيته الاقتصادية، وبعد أن تأكدت من انخفاض الخطر من القطاع وجهت نيرانها إلى لبنان، الذي قصف إسرائيل ايضا، ولم يسكت طوال 14 شهرا، حتى توقفت الحرب بشروط سيئة، لكنها مفيدة لإسرائيل أولا، التي انطلقت لاحقا الى سورية، مباشرة، بعد سقوط النظام، وبعد نتائج حرب غزة ولبنان.
سقوط النظام كان بطريقة تقترب من "التسلم والتسليم"، حيث لم يعد هناك جيش سوري، وتم تدمير اكثر من 250 موقعا عسكريا في سورية، وتدمير دبابات الجيش والطائرات، والدخول الى عمق اكبر في القنيطرة والجولان، دون ان يعلق النظام الوريث في سورية على المشهد، في سياق مخاوف إسرائيل من انتقال هذه الأسلحة إلى تنظيمات عسكرية مختلفة، قد تستهدف إسرائيل في توقيت معين، فوق المعلومات المتسربة عن مخططات إسرائيل لإنشاء جيش سوري عميل لها في مناطق محددة، وسيناريوهات الوصول الى دمشق او درعا اذا اقتضت الحاجة، وإقامة حزام إسرائيلي ممتد على طول مناطق جنوب سورية، في توقيت معين.
كل هذا قبل أن يأتي ترامب، والمؤكد أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حساسة جدا، وأخطر ما فيها ما يتعلق بالأردن دون مبالغات، لأن الأطراف التي كانت تشاغل إسرائيل وترهقها لم تعد قائمة، وأقصد غزة ولبنان وسورية، وهذه الأطراف انخفض خطرها جدا، بما يعني أن الاحتلال سيكون مرتاحا اكثر اذا قرر تنفيذ اي مخططات مقبلة على الطريق.
برغم ان الانطباع يشير إلى أن إسرائيل تستهدف الان العراق، ثم ايران، الا ان التحليل الوازن يقول إن العراق قد يكون تحت خطر اعادة احياء تنظيمات متطرفة، في محاولة لتفجير العراق من الداخل، بدلا من التورط العسكري المباشر فيه، وهذا يعني ان العراق ايضا بعد سقوط النظام السوري، وسلسلة الحلفاء، سيعيد تقييم موقفه، ولن يكون مهتما بالاشتباك مع إسرائيل في الأساس، وسيكون هدفه الأول عدم نقل النار إليه، إلا إذا أصرت إيران على توظيفه أو إغراقه بالجماعات المسلحة لدب الفوضى فيه، وهذا إصرار مشكوك فيه، كون إيران لم تدافع عن جبهاتها الأساس كما كان مفترضا، وقد تنزع نحو تسوية سرية او علنية مع قرب ترامب من دخول البيت الأبيض، خلال الشهر المقبل، كونها ضعفت أيضا ولو بشكل جزئي.
هذا يعني أن الملف المقبل هنا هو ملف فرص السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والتعامل مع مشكلة الوجود السكاني للفلسطينيين في الضفة، عبر أنماط مختلفة، أما فرض التهجير القسري أو الناعم الى الأردن، أو التآمر لإقامة كينونة فلسطينية شكلية سياسية، دون جغرافيا، ومحاولة فرض وحدتها مع الأردن، أو محاولة التوسع العسكري الجغرافي في الأرض حول فلسطين المحتلة وفي دول جوارها لنقل الفلسطينيين اليها بشكل إجباري، وهناك عشرات السيناريوهات التي قد يتم الكلام عنها هنا، حول ملف الضفة الغربية بعد التطورات الأخيرة.
هل تعرفون ما هي أخطر فكرة هنا؟ الفكرة تقول إن المفترض عادة أن الخطر سيشتد عليك إذا سقط صديقك أو حليفك، لكن في قصة الأردن يأتي الأمر معاكسا، لأن الخطر يشتد مع سقوط خصم أو طرف مصنف بكونه غير حليف لك، أي النظام السوري، وما جرى في لبنان وغزة، والمعسكر الإيراني الذي لا ينتمي اليه الأردن، ومع الضربات التي أضعفته، تسبب بكشف الظهر في الإقليم بشكل عام، لأن ضعفه فتح كل المساحات أمام إسرائيل للتمدد دون اشتباك معها او مشاغلات، بما يحعلها أكثر راحة اليوم في فرض أي مخططات على الأردن أو غيره.
هذا يفرض قراءة مغايرة للمعايير المعتادة للظرف الحالي، في الأردن، خصوصا، أن هناك جملة متغيرات ما تزال تحت الاختبار في ظل إدارة أميركية جديدة، ستفرض خططها وستغير هوية الدول إذا اضطرت لذلك، إلا إذا حدثت مفاجآت جيوسياسية خارج كل الحسابات، وهذا محتمل بوجود كل هذه الأطراف التي تلاعب الإقليم ودوله وشعوبه.