أثر هجرة الشباب الأردني على الاقتصاد والأمن القومي في ظل استقطاب الدول ذات الهرم السكاني العجوز

{title}
أخبار الأردن -

 

أ.د. محمد الفرجات


تشكل هجرة الشباب الأردني إلى الخارج ظاهرة متنامية في العقد الأخير، خصوصًا في ظل استقطاب العديد من الدول الغربية، التي تعاني من ارتفاع نسبة الشيخوخة في مجتمعاتها، لشباب المجتمعات الشرقية. هذه الهجرة تحمل في طياتها العديد من التأثيرات على الاقتصاد الوطني والأمن القومي الأردني، إذ تواجه البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة لتفريغها من الكفاءات الشابة التي تعد عماد التنمية ومستقبل البلاد.

التأثيرات الاقتصادية لهجرة الشباب الأردني

1. استنزاف رأس المال البشري: الشباب يمثلون العمود الفقري للاقتصاد الأردني، حيث إنهم يشكلون القوة العاملة الأساسية التي تساهم في الإنتاج والتنمية. عندما يهاجر الشباب، يفقد الأردن رأس المال البشري الأكثر إنتاجية وابتكارًا، مما يؤدي إلى نقص في المهارات والكفاءات في السوق المحلي. هذا الاستنزاف البشري يعطل العديد من القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا، الهندسة، الطب والتعليم.


2. انخفاض معدل الإنتاجية: نتيجة لهجرة الكفاءات الشابة، يتأثر الاقتصاد الأردني بانخفاض معدل الإنتاجية، إذ تواجه القطاعات المختلفة نقصًا في القوى العاملة المدربة. هذا النقص يؤدي إلى تباطؤ نمو الأعمال وزيادة الاعتماد على العمالة الوافدة، مما يزيد من التحديات الاقتصادية ويقلل من تنافسية الاقتصاد الأردني على المستوى الإقليمي والدولي.


3. تأثيرات سلبية على سوق العمل: خروج الشباب من سوق العمل الأردني يؤدي إلى زيادة معدل البطالة بين الفئات الأخرى، حيث أن المنافسة على الوظائف المتاحة تقل، مما يؤدي إلى تضييق فرص العمل لمن تبقى. على الجانب الآخر، تعتمد العديد من الدول الغربية على استقطاب هؤلاء الشباب لدعم اقتصاداتها التي تعاني من نقص في القوى العاملة بسبب هرمها السكاني العجوز.


4. خسارة الاستثمارات في التعليم والتدريب: الأردن يستثمر بشكل كبير في تعليم وتدريب الشباب من خلال الجامعات والمعاهد التقنية. لكن مع هجرة هؤلاء الشباب إلى الخارج، يتم تحويل هذا الاستثمار إلى اقتصادات الدول التي تستقطبهم، دون أن يعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي.


الأمن القومي وتحديات الهجرة

1. تآكل القاعدة السكانية الشابة: تؤدي هجرة الشباب إلى تفريغ البلاد من الفئة السكانية الأكثر إنتاجية، مما يضعف القاعدة السكانية الشابة، التي تمثل القوة الدافعة للتغيير والنمو. الدول التي تستقطب الشباب، وخاصة تلك التي تعاني من شيخوخة سكانها، تستفيد من هذه الفئة من أجل إعادة بناء قاعدة سكانية قوية، بينما يعاني الأردن من تآكل القاعدة السكانية.


2. تهديد الأمن الاجتماعي: الهجرة المستمرة للشباب تؤدي إلى خلل في التوازن الاجتماعي، حيث ترتفع معدلات البطالة بين الفئات الأكبر سنًا التي تجد صعوبة في التأقلم مع متطلبات سوق العمل الحديث. هذا الخلل يمكن أن يؤدي إلى تزايد حالات الإحباط الاجتماعي، وانخفاض معدلات النمو الاجتماعي، وزيادة التوترات داخل المجتمعات المحلية.


3. ضعف الروابط الاجتماعية والأسرية: الشباب الأردني المهاجر غالبًا ما يكوّن أسرًا في الدول التي يهاجر إليها، ويتكيف مع أنظمتها الاجتماعية والثقافية. هذا يؤدي إلى تراجع الروابط الأسرية مع الوطن الأم، وتقليل الانتماء إلى الأردن، مما يضعف الروابط الوطنية على المدى الطويل.


مغريات الهجرة من الدول ذات الهرم السكاني العجوز

تستقطب الدول الغربية التي تعاني من شيخوخة السكان الشباب الأردني بسبب عدة مغريات، منها:

1. فرص العمل والرواتب المرتفعة: توفر هذه الدول فرص عمل برواتب مغرية مقارنة بما هو متاح في الأردن، مما يجعل الهجرة خيارًا جذابًا للشباب الذين يسعون إلى تحسين أوضاعهم المعيشية.


2. الدعم الحكومي للأسر الكبيرة: تعاني العديد من هذه الدول من انخفاض معدلات الولادة وارتفاع نسبة كبار السن، ولذلك تقوم بتقديم حوافز للأسر الكبيرة، مثل الدعم المالي والرعاية الصحية. هذه المغريات تستقطب الشباب الأردني الطموح لتأسيس عائلات كبيرة في تلك الدول، مما يعزز من جاذبية الهجرة.


3. بيئة تعليمية وتدريبية متقدمة: توفر الدول الغربية أنظمة تعليمية متقدمة وفرص تدريبية مهنية عالية الجودة، مما يدفع العديد من الشباب الأردني إلى الهجرة لاستكمال تعليمهم أو تحسين مهاراتهم المهنية.


العواقب طويلة الأمد على الاقتصاد والأمن

1. شيخوخة المجتمع الأردني: مع استمرار هجرة الشباب، قد يعاني المجتمع الأردني من زيادة في نسبة كبار السن مقارنة بالشباب، مما يضع ضغطًا على نظام الرعاية الصحية والاجتماعية. هذا التحول السكاني يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، حيث يصبح هناك نقص في الفئة العاملة وزيادة في الفئة التي تحتاج إلى الدعم.


2. تحديات الأمن الغذائي والمائي: تقلص القوى العاملة الشابة يؤثر على القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة، مما يزيد من تحديات الأمن الغذائي والمائي في الأردن. يعتمد الاقتصاد الأردني بشكل كبير على هذه القطاعات لتأمين احتياجاته الأساسية، ومع تراجع القوى العاملة، قد تصبح البلاد أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية.


3. ضعف الدفاع الذاتي: الهجرة الجماعية للشباب قد تؤدي أيضًا إلى ضعف القدرات الدفاعية للدولة، حيث أن الشباب هم الفئة الأساسية التي يعتمد عليها الجيش وقوات الأمن. في ظل التوترات الإقليمية المستمرة، قد يؤثر ذلك سلبًا على جاهزية الدولة لحماية أمنها القومي.

هجرة الشباب الأردني إلى الخارج في ظل مغريات الدول ذات الهرم السكاني العجوز تشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد والأمن القومي الأردني. يجب على الحكومة الأردنية اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز فرص العمل المحلية وتحسين بيئة الأعمال من أجل جذب الشباب للبقاء والمساهمة في بناء مستقبل الوطن. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز برامج التدريب والتعليم وربطها باحتياجات سوق العمل المحلي، حتى يتمكن الشباب من تحقيق طموحاتهم داخل الأردن دون الحاجة للهجرة.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير