هكذا يفهم الأردنيون استقلالهم
حسين الرواشدة
يحتفل الأردنيون بالذكرى ال 78 لاستقلال بلدهم ، هذه مناسبة للتذكير بالدولة الأردنية التي صمدت واستمرت ، وأنجزت وازدهرت ، والأجداد والآباء الذين بنوا وصبروا ، والتفوا حول قيادتهم ولم تزعزعهم العاديات ، والأبطال والشهداء الذين ضحوا وامتزجت هذه الأرض بدمائهم الزكية ، وهي مناسبة ،أيضا، لاستدعاء تاريخنا الأردني الممتد عبر آلاف السنين ، ومواقفنا الوطنية التي أورثتنا الكرامة والكبرياء والشرف.
يفهم الأردنيون معنى استقلالهم الذي انتزعوه بإرادتهم الصلبة، ويعتزون به ، فقد أقاموا فوق مداميكه دولة عنوانها الكرامة ؛ كرامة الإنسان وكرامة الوطن ، الكرامة المعركة والكرامة المشروع ، وشيّدوا طريقا للسلامة الوطنية ، أخذتهم من الأزمات التي تراكمت ، والزلازل التي التي انفجرت بالمنطقة ، إلى برّ الأمان .
وبين الكرامة والسلامة صار بوسع الأردنيين أن يفتحوا أعينهم على واقعهم ومستقبلهم ، وأن يسألوا : كيف صمدنا ومازلنا واقفين على اقدامنا طيلة هذه العقود؟ ثم ماذا أنجزنا وأين أخطأنا وأصبنا؟ الإجابات حاضرة تماما حين نستدعي الإنصاف ، ونحتكم لضمائر الحية، ونطرد من الأذهان الأساطير التي روّج لها من لا يؤمنون بالأردن ، ولا يرونه إلا مشروعا لخدمة أغراضهم وأجنداتهم العابرة.
مهم، بمناسبة الاستقلال ، أن نعرف كيف صمدنا ولماذا نجونا من كل العواصف التي واجهتتنا ، ومهم أن نعترف بهذا الصمود ونعتز به ونقدره ، ومهم، أيضا ، أن نتوافق على أن وراء هذا الصمود إنجاز اسمه "الدولة " يُسجل باسم الأردنيين الواقفين على اقدامهم في مواقع العمل والإنتاج ،والانتماء والإخلاص ،لا في مواقع المتفرجين أو الجاحدين ، لكن الأهم هو أن نعرف كيف سنصمد في الأيام القادمة ، وهي ربما تكون أصعب من التي مرت، وكيف نحول هذا الصمود إلى حركة بناء وطني، تعيد للأردنيين ثقتهم بمؤسساتهم، وترفع همتهم، وتضمن منعة بلدهم.
مهم ايضا ، بمناسبة الاستقلال ، أن نعيد التذكير بأن لدى الأردنيين ثوابت أشبه ما تكون بالمقدسات ، وهي العرش والجيش ، والوحدة الوطنية الضامنة لاحترام التعددية ومنع الانقسام ، ثم المؤسسات والقانون، الأردنيون الذين يؤمنون بالدولة ، مهما اختلفت مواقعهم ومواقفهم ، لا يسمحون لأحد أن يمس بهذه الثوابت التي تشكل ، دستوريا وأخلاقيا وتاريخيا، المرجعيات الأساسية والقواسم المشتركة ، أو أن شئت، الخيمة التي يستظل بها الجميع ، لانهم يعتقدون أنها صمام الأمان للبلد ، وسر استقراره واستمراره أيضا.
مهم ،في ذكرى الاستقلال ، وبهذا التوقيت بالذات ، أن نذكّر الذين يحاولون أن يستفردوا بالشارع ، وأن يتقمصوا أي قضية من خارج حدودنا لكي يضعونا تحت قبضهم ، والآخرين الذين لا يعجبهم أن نستدير إلى الداخل ونلتفت إلى قضايانا وأزماتنا وسيرورة حياتنا ، أن نذكرهم بأن صناعة الانقسام وافتعال الصدام ، يصب في مصلحة أعدائنا الذين يتربصون بنا على الحدود ، كل الحدود ، وأن سماحة الأردنيين ، النظام والشعب معا، لا يجوز أن تُفهم في سياقات استمراء الاستقواء ، أو اختبار نفاد الصبر ، لا يوجد ندّ للدولة داخلها، ولا فرصة لكسر المعادلات التي قامت عليها ، ولا سلطة إلا للقانون.