"‏ فزّاعات " التخويف من الحماسة الوطنية

‏حسين الرواشدة

‏استدعاء" فزّاعات " تخويف الشباب الأردنيين من الحماسة الوطنية التي يُعبّرون بها عن أنفسهم ، ويعتزون من خلالها ببلدهم وقيادتهم، لا ينمّ، فقط، عن غباء سياسي، أو انكشاف أخلاقي، أو قلة معرفة بمعدن الأردنيين وطبيعه شخصيتهم ، أو عن إحساس بالصدمة من عودة الروح إليهم ، وتَفجّر طاقات الثقة بدولتهم ، وإنما ينمّ ،أيضا ، عن وجود تيارات داخل مجتمعنا ، تحاول أن تُغرق شبابنا باليأس والسواد العام ، وتزرع الشك بينهم وبين مؤسساتهم ، ثم تستفرد بهم وبالبلد أيضا. 

 

‏هذا ما حدث للأسف خلال السنوات الماضية، كما كشفته استطلاعات الرأي حول أزمة (الثلثين) في بلدنا ، وحول سؤال المستقبل والاتجاه الخطأ الذي نسير إليه ، لدرجة أن الكثيرين منا استسلموا لمجموعة من الأساطير التي ولّدت فينا الإحساس بالخيبة والألم وفقدان الأمل ، كل ذلك تمّ بقصد من خلال فاعلين تغلغلوا داخل مجتمعنا ، وتسيدوا ثقافتنا ، وأغلقوا الأبواب والنوافذ أمام شبابنا ، حتى كدنا نصدق أن بلدنا ليس بخير، وأن تاريخنا مليء بالسواد ، وواقعنا مزدحم بالفشل ، وربما أجيالنا قيد الاحتضار.

 

‏الآن ، صحونا على همة جديدة تنبعث بين الشباب الأردني ، وتنعش هويتهم وفاعليتهم واعتزازهم بوطنهم ، اكتشفنا أن هذا الخزان الأردني الذي حاول البعض استنزافه او تجفيفه مليء بالكفاءات التي تؤمن بالأردن ، وتضحي من أجله بكل ما لديها من طاقات ، صحيح ، ربما فاجأتنا هذه التحولات، كما صدمت البعض ، لكنها في الحقيقة ولادة طبيعية خرجت من رحم الأردن الكبير، تعكس تاريخه وحقيقته ، وتعبّر عن ذاته الوطنية، وتفرز من أبنائه أفضل ما لديهم من صور الانتماء والحرص ، والإصرار على المنعة والصمود والإنجاز. 

 

‏هذه الحماسة والهمة الوطنية تستحق الاحتفاء والإعجاب والدعم ، تستحق ان نستثمر فيها ونحيطها بالعناية والرعاية ، لا ان نمارس ضدها التضييق والترهيب ، أو نتنمر عليها ، صحيح ، ربما يرافقها بعض الأخطاء والهفوات ، لكنها بريئة ونبيلة وغير قابلة للتأجير أو العبث ، عنوانها "الكرامة " وغايتها تعزيز الوحدة الوطنية ، لا تعرف الإقصاء والعنصرية ولا الكراهية ، ولا تسعى إلا لخير الأردنيين كلهم ، والإنسانية أيضا.

 

‏أنت أردني ؟ مهما كان دينك أو عرقك أو جنسك ، من قال : لا يحق لك أن تفتخر بوطنك، وأن تستلهم من تاريخه الأمجاد ، وأن تدافع عن وجوده ومصالحه؟ لا تسأل : لماذا يبدو صوتك -حين تفعل ذلك- ناشزا في " ميكروفونات" البعض الذين لا يريدون الخير لهذا البلد- ، ما عليك ، لست متهماً حتى تشعر بالذنب أو التقصير ، لست عاجزاً حتى تبقى محبوسا بين الجدران ، لست حقوداً حتى لا تُفجّر ينابيع الحكمة والمحبة في داخلك ، ثم تصرّ على أن هذا الوطن وُلد ليبقى ويستمر ، ولا ينحني او يركع إلا لرب العالمين. 

 

‏هؤلاء الأردنيون من احسن العرب ،كما قال وصفي رحمه الله ، وهذا البلد العزيز ،كان وسيبقى ، ذخرا لأمته ، لم يتردد عن الوقوف مع قضاياها العادلة، أو التضحية من أجل الذود عن حماها، لا يوجد دولة فتحت قلبها وحدودها لكل المتعبين والمشردين والأحرار كما فعلت الدولة الأردنية /دولتنا ، لا يوجد شعب تقاسم مع غيره من الأشقاء الرغيف والسكن كما فعلنا، إذا سألت عن الشهامة ستجدها هنا ، وعن الكرامة سيغمرك النهر بها من هنا، وعن السماحة والعفو ، من القيادة والشعب معا ، ستجدها أيضا هنا ، ألا يحق للأردنيين أن يعتزوا بكل ذلك ، ثم يسجلوه بلسان صدقٍ في سجلات تاريخهم الخالد؟ بلى يستحقون .