اغتيال سياسي تتجنب إيران إعلانه
ماهر أبو طير
وقفت المنطقة على قدم واحدة لمعرفة مصير الرئيس الإيراني، ووزير خارجيته، لأن اللحظات الأولى لسقوط الطائرة ارتبطت بتصورات حول دور إسرائيلي في إسقاط طائرته انتقاما من قصف إسرائيل، قبل أسابيع بالطائرات المسيرة، والصواريخ، والعمليات من لبنان.
الإيرانيون تحدثوا عن حالة الطقس، وأن سبب سقوط الطائرة الأحوال الجوية، والتفسير غير مقنع أبدا لأنه لا يمكن أن تغادر الطائرة من طهران إلى أذربيجان وتعود إلى إيران دون أن تكون طواقم الطائرات مطلعة على خرائط الطقس والتوقعات، ولا يمكن أيضا أن يغامر قائد الطائرة بدخول هكذا أجواء ولا يعود إلى نقطة الانطلاق أمام ما يراه، ولا يمكن أيضا أن تؤدي الأحوال الجوية لإسقاط طائرة الرئيس، ووصول الطائرتين الأخريين بكل بساطة إلى إيران.
هذا يعني أننا أمام سيناريو مدبّر عبر إحدى الجهات التالية، إما جهة داخلية إيرانية على خلفية صراع سياسي أمني يتعلق بموقع الرئيس والمرشد العام لاحقا، وإما جهة إسرائيلية استطاعت بالتنسيق مع عملاء محليين أو جهات جغرافية قريبة من إيران العبث بالطائرة بطريقة ما من أجل توقف كل أجهزتها فجأة وإسقاطها دون أن تجد الوقت لإرسال استغاثات، بحيث تسقط وتتفجر، وإما تم استهداف الطائرة بعمل أمني مباشر، من خلال عمليات وتقنيات متطورة جدا، أدت إلى التشويش على الطائرة وتوقيف محركاتها، وكل أنظمتها بحيث هوت فجأة، والكل يعرف أن بعض دول العالم بما فيها إسرائيل لديها تقنيات متطورة جدا، عن قرب، ومن بعد، ولا نعرفها هنا في هذه المنطقة.
الخلاصة هنا تقول إن الاغتيال هو وراء سقوط الطائرة وليست حالة الجو، دون أن ننكر هنا احتمالات وقوع عطل فني عادي، وتعطل الطائرة بشكل مفاجئ، لكننا نتحدث في سياق سياسي وأمني وعسكري متوتر، سبقه تهديدات إسرائيلية بالانتقام من إيران على خلفية القصف الإيراني لإسرائيل، وتدخل واشنطن لمنع التصعيد والتهدئة، وقد رأينا ردا إسرائيليا محدودا، دون أن يمنع ذلك التخطيط سرا لعملية مدبرة من هذا الطراز لا تعترف عبرها إسرائيل بمسؤوليتها، وقد لا تتمكن أي دولة عبر التحقيقات الفنية من استكشاف أدلة على الفاعل الأصلي بحيث تقيد ضد مجهول، أو ضد حالة الطقس، وأحيانا القضاء والقدر.
السؤال الأذكى الذي يتم طرحه هنا يقول: هل سترد إيران لو اكتشفت أن إسرائيل هي المسؤولة عن العملية، وهل ستعلن إيران مسؤولية إسرائيل أصلا، والأرجح هنا أن إيران حتى لو أدركت من باب المعلومات التقنية، أو التحليلات الظنية أن إسرائيل هي المسؤولة، فهي لن تعلن ذلك جهارا، لأن الكل سيطالبها برد الفعل، خصوصا، من هم في معسكرها وهي تدرك أن الانتقام للرئيس لا بد أن يكون مختلفا، وسيؤدي بالضرورة إلى حرب إقليمية واسعة تحرق المنطقة.
ستفضل إيران الكلام عن حالة الطقس، لسبب بسيط، وهو أن إيران عندما تم قصف قنصليتها في دمشق وأدى القصف إلى إصابة إيرانيين، قامت بالرد عبر مئات المسيرات والصواريخ، وهذا رد جاء أمام مقتل عدد من القادة العسكريين فقط، فكيف سيكون الرد في حال استهداف رئيس الدولة، وبأي لغة ستهدد إيران هذه المرة، وهل سنكون أمام حرب مدبرة لاستدراج إيران وجرها إلى رد متهور، يتم من خلاله تدمير إيران، ومن سيحتمل جر المنطقة إلى حرب إقليمية، وما هو سقف الرد، كون المستهدف هو الرئيس، وليس قادة عسكريين في قنصلية.
إيران المعروفة بكونها براغماتية ستفضل أن لا ترد عسكريا، ولا تعلن مسؤولية إسرائيل حاليا إذا كانت هي الفاعل، حتى لا تقف موقفا حرجا يرقب فيه العالم رد فعلها، وهي ذاتها التي تتجنب حربا إقليمية، ولا تريد أن يتم استدراجها لحرب تدمر إيران وشعبها.
هذه مجرد تصورات، قد تصح وقد لا تصح، وعلينا انتظار الرواية الإيرانية الأخيرة التي قد تحتاج إلى وقت ليس قصيرا، لكننا على الأغلب في سياقات حادثة مدبرة مجهولة الفاعل شكلا، على طريقة تفجير مرفأ بيروت، ومعروفة الفاعل ظناً وحسما دون أن يترك أي أثر.
ثم إذا حدثت مفاجأة وأعلنت طهران مسؤولية إسرائيل عكس ما نتوقعه في هذا المقال فستكون كل المنطقة في طريقها إلى جهنم الحمراء، قياسا على ردود فعل طهران في حالات سابقة.