مؤشرات مطمئنة

يعقوب ناصر الدين


منذ اليوم التالي للإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية في العاشر من شهر سبتمبر المقبل تشهد الأوساط السياسية والاجتماعية اهتماما متصاعدا بهذا الاستحقاق الدستوري الذي يتزامن مع مرحلة مزدحمة بالتحديات التي يخوضها الأردن بفعل التطورات والأحداث المحيطة به من كل جانب، ولذلك يمكن النظر إلى ذلك الاهتمام من زاوية تنامي الوعي الوطني بطبيعة تلك التحديات، وما تفرضه من تعظيم للوطنية الأردنية باعتبارها العنصر الفاعل في ضمان قوة الدولة وصمودها وقدرتها على مواصلة مسيرتها الاصلاحية والتحديثية لقطاعاتها المختلفة.

الدروس من حولنا كثيرة بقدر ما هي مؤلمة، وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي يعرف طبيعة التوازنات الإقليمية والدولية يمتلك دائما قدرة فائقة على فهم وتحليل التطورات ومآلاتها القريبة والبعيدة، وهو من هذه الزاوية يرى بوضوح الواقع الذي يجب أن يكون الأردن عليه كي يحافظ على مصالحه العليا من ناحية، ويقوم بدوره في السعي إلى حل الصراعات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، أو منع انزلاقها إلى ما لا تحمد عقباه من ناحية ثانية، وبطبيعة الحال فإن قوة هذا الدور مرتبطة بقوة ومتانة وثبات ذلك الواقع الحيوي والمتفاعل في النطاق الوطني.

ليست مجرد عملية انتخابية تلك التي نمضي إليها بتوقيتها المقرر لاختيار أعضاء مجلس النواب العشرين بشكله ومضمونه الجديد من القوائم المحلية والحزبية. إنها في الحقيقة نقلة نوعية في الحياة السياسية الأردنية تعتمد أساسا على مبدأ توسيع وتشبيب قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وفي تطويرالمسيرة الديمقراطية، وصولا إلى تشكيل حكومات برلمانية منتخبة، ومعبرة عن الإرادة الشعبية في نطاق الدولة بنظامها وسلطاتها ومؤسساتها الوطنية المدنية والعسكرية!
نتابع باهتمام كبير اللقاءات التي تعقد في القواعد الشعبية التقليدية، وداخل الأحزاب الوطنية البرامجية الجديدة تمهيدا لاختيار مرشحيها، سواء أولئك الذين يحظون بالتوافق، أو أولئك الذي يملكون سجلا برلمانيا طويلا أو قصيرا، ولكن من بين المؤشرات التي تبعث على الاطمئنان الزيادة الملحوظة في عدد الشباب والشابات الذين يعلنون عن نيتهم خوض الانتخابات المقبلة، ويستخدم معظمهم في أدبياتهم شعارات تدل على فهمهم، ومدى تجاوبهم مع عمليات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري والإصلاح الشامل كسبيل حاسم لبناء الأردن الجديد الأكثر قوة وثباتا ونموا وازدهارا.
من المؤشرات المطمئنة كذلك مستوى الحوار الذي ينعقد في المجالس المهتمة بالعملية الانتخابية، وخاصة على مستوى العمل الحزبي حيث لا يمكن الفصل بين المرشح وبرنامج الحزب الانتخابي، وفي هذا السياق لا بد من توفر قدر من الانسجام بين كفاءة المرشح وخبرته ومكانته الاجتماعية وبين الأهداف التي يتبناها الحزب، والمواقف التي سيعبر عنها من خلال ممثله تحت قبة البرلمان، فتلك هي الإضافة النوعية على تجربتنا البرلمانية الطويلة رغم حاجة الأحزاب إلى مزيد من الوقت لتطوير تلك التجربة من خلال الممارسة العملية على مراحل متتالية!
ما نحتاجه حتى نصبح أكثر اطمئنانا هو المزيد من الجهود الوطنية لحث الناخبين على المشاركة في العملية الانتخابية وهم أكثر قناعة بأن ممثليهم سيعبرون عن طموحاتهم بأمانة وإخلاص، وإلى حد بعيد تتحمل الأحزاب المسؤولية الأكبر في صياغة خطاباتها الانتخابية وفقا لبرامجها الموضوعة التي يفترض أنها وضعت بناء على قراءة صحيحة للتحديات والأولويات والأهداف العامة، وقابلية تطبيقها على أرض الواقع.