المراجعة الأولى للصندوق

سلامة الدرعاوي 

في ختام بعثة صندوق النقد الدولي، والتي استغرقت عشرة أيام في عمّان، لمراجعة البرنامج الاقتصادي الذي يدعمه ترتيب تسهيل التمويل الموسع، يُسلط الضوء مجددا على الأهمية القصوى للمراجعة المستمرة والفعّالة للسياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية في الأردن. هذه المراجعة وهي الأولى ليست مجرد تقييمات روتينية، بل هي حجر الأساس لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في بيئة تعج بالتحديات الإقليمية والعالمية.

بادئ ذي بدء، النجاح الذي حققه الأردن في تلبية جميع المعايير الكمية والمعايير الهيكلية المتفق عليها يُظهر بوضوح فعالية السياسات الاقتصادية التي تم تبنيها خلال السنوات الأخيرة، فهذه السياسات لم تسهم فقط في تعزيز قدرة الاقتصاد الأردني على التحمل في مواجهة الصدمات الخارجية المتتالية، بل وفرت أيضًا الأساس لتحقيق نمو بنسبة 2.6 % في العام 2023. والأهم من ذلك، أن هذه الإجراءات ساعدت على التخفيف من حدة تأثيرات حرب الإبادة على الأشقاء في غزة والاضطرابات الإقليمية الأخرى، مما يُظهر قدرة الأردن على التنقل بمهارة خلال هذه الرياح المعاكسة.

 

ومن المتوقع أن يبلغ النمو 2.4 % في عام 2024، وأن يرتفع إلى ما يقرب من 3 % في عام 2025، والعجز الكلي في القطاع العام تقلص إلى 4 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، بتحسن من 4.8 % في 2022، ومن المتوقع تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة (بما في ذلك المنح) بنسبة 1.3 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2024.

كما يستهدف الأردن خفض الدين العام إلى أقل من 80 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، حيث تأتي هذه الأرقام لتدعم الدلائل على التزام الأردن بالإصلاحات الاقتصادية والمالية الصارمة، مما يعكس الجهود المستمرة لتعزيز الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام. وتُعد الدعوة القوية لاستمرار الدعم الدولي في هذه الأوقات العصيبة دليلاً على الوعي بأن الأردن، على الرغم من قدرته الاقتصادية المتنامية، لا يزال بحاجة إلى يد العون ليتمكن من الاستمرار في تحمل تكاليف استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين ولمواجهة الرياح الخارجية الأخرى، فهذه النقطة بالذات تبرز أهمية الشراكات الدولية في توفير شبكة أمان مالية واقتصادية تسمح للأردن بتحقيق الاستقرار والنمو.

ومن جانب آخر، يُبرز التزام السلطات الأردنية الثابت بمواصلة تطبيق السياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة وتعزيز الإصلاحات الهيكلية حرصهم على تحسين معايير المعيشة للشعب الأردني وتعزيز قدرة الاقتصاد على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، فهذا الالتزام يعد مثالاً يُحتذى به في كيفية التعامل مع الضغوطات الخارجية بطريقة تضمن الاستقرار، وتساعد على تحقيق تقدم ملموس نحو الأهداف الاقتصادية الطموحة.

إن التوقعات بأن يتعدل النمو إلى 2.4 % في عام 2024، وأن يتعافى في عام 2025 تُعطي مؤشراً واضحاً على أن الإجراءات التي يتم تنفيذها حالياً تمضي في الاتجاه الصحيح، رغم التحديات الكبيرة، ومع ذلك، فإن الحاجة إلى المراجعة المستمرة والتقييم الدقيق لهذه الإجراءات تظل قائمة، لضمان الاستمرارية في التقدم والتكيف مع أي تحديات جديدة قد تظهر في الأفق.

وبالنهاية، تُظهر المراجعة الأخيرة للبرنامج الاقتصادي في الأردن بأنه رغم الصعوبات، هناك خطوات جادة وملموسة نحو تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، ومن خلال استمرار المراجعة والتقييم الفعّال، يمكن للأردن أن يتطلع إلى مستقبل اقتصادي أكثر نموا واستقراراً.