ماذا نريد من إيران؟

سميح المعايطة 

معادلة العلاقة الأردنية مع إيران واضحة جدا وسهلة، معادلة يعلمها الإيرانيون جيدا، فمنذ ان جاء نظام الخميني قبل 45 عاما تقريبا والأردن يعلم جيدا تركيبة النظام الإيراني ويعلم طريقة تفكيره ومعادلاته التي كان البعض يطلق عليها “تصدير الثورة” ثم تحولت إلى تصدير الحرس الثوري.

الأردن دائما كان يكون سعيدا بالفترات التي تتحدث فيها القيادة الإيرانية عن حرصها على علاقات ودية وايجابية مع الأردن ومع دول الإقليم العربي مثلما كانت فترة الرئيس خاتمي في النصف الثاني من التسعينيات، وفي تلك الفترة تم تدشين خط جوي مباشر بين عمان وطهران وكانت الأجواء إيجابية لكن للأسف نكتشف بعد ذلك انه توجه لشخص الرئيس آنذاك وليس للدولة الإيرانية، وهو رئيس اختفى من الساحة السياسية تماما.

إيران لا تتعامل مع العالم العربي في الخليج او بلاد الشام وحتى آسيا وافريقيا وفق منطق بناء علاقات إيجابية وتعاون وحسن جوار، لكنها تتعامل بمنطق استعماري لا يستعمل فكرة الاحتلال العسكري المباشر بل الاختراق وصناعة النفوذ، ولهذا ليس هناك علاقة إيرانية في اقليمنا تسير وفق معايير علاقات الدول ربما باستثناء تركيا لانها دولة لها مشروع.

 

علاقات إيران مع العرب تقوم على التوجس والقلق، وتمارس إيران ” التقية” السياسية وغير السياسية اي إظهار غير ما تبطن، وهذا ما كان مع الأردن الذي لم يترك فرصة لبناء علاقة متوازنة سليمة خالية من أنفاق العمل الأمني ومحاولات الاختراق لكن للأسف يغلب على إيران دائما التعامل بذات المنهجية اي السعي لبناء نفوذ لها من أشخاص او تنظيمات او محاولات التسلل الامني عبر مشاعر دينية او مذهبية ومقامات وكل هذا تحت إدارة الحرس الثوري والقسم الخاص بمنطقتنا وهو فيلق القدس.

 

لدى الدولة الأردنية كميات “تجارية” مما يمكن أن تقوله عن محاولات إيرانية لم توقف لاختراق الساحة الأردنية، وطبيعة الدول انها لا تتحدث عما تملك من معلومات وعما تكشف من مخططات او أعمال خارج الأعراف الدبلوماسية والعلاقات السليمة بين الدول، لكن إيران تعلم جيدا ما فعلت، وكل هذا قبل ان يزداد النفوذ الإيراني على حدودنا في سورية والعراق حيث حرب المخدرات والمتفجرات وأشياء أخرى، وقبل ذلك بكثير كانت خلايا تم القبض عليها وأشياء كثيرة، وربما تشعر إيران في هذه الفترة ان لديها اتباع من قوى موجودة في الشارع الأردني.

 

الأردن يريد علاقة سليمة وفق الاصول مع إيران ولهذا حافظ على العلاقات الدبلوماسية والسفارات لكن ان أصرت إيران على محاولة تكرار مافعلته في دول أخرى لغايات زرع اتباع وخلايا او نسج علاقات مع تنظيمات محلية فإن الأردن سيبقى يتعامل مع إيران باعتبارها خصم وعدو لامنه واستقراره.

 

القرار عند الإيرانيين فإما علاقة سوية سليمة بين بلدين صديقين وإما علاقة تقوم على التوجس والقلق وان تبقى إيران تفشل مرة بعد مرة بتحقيق حلم اختراق الساحة الأردنية او استغلال أحداث القضية الفلسطينية كما حدث في فترة العدوان على غزة للتسلل سياسيا وامنيا واستعمال تنظيمات وكل هذا تعلمه الدولة الأردنية وتفشله كما كل مرة.

 

الأردن يعلم جيدا كل أساليب عمل إيران وميليشياتها في الإقليم وحتى بعض الجهات التي يلتقي عداؤها للأردن مع مخططات إيران، والأردن تحدث مع الإيرانيين بالأدلة عن كل ما يحاولون فعله وهم يعلمون كل التفاصيل، لكنه الجشع الذي بجعل إيران تراوغ وتستمر في مسار لن يوصلها لشيء، فالأردن ليس ساحة مثل تلك التي حولتها إيران إلى دول ميليشيات، وبالتالي فعليها ان تختار إما التعامل بصدق ومصداقية والتوقف عن عقلية الميليشيات والعصابات والانتقال إلى تعامل يليق بدولة او الاستمرار في مسار فاشل يضعها في مرتبة العدو بغض النظر عن الشعارات.

 

حرص الأردن على ابقاء ابواب العمل السياسي ومحاولة منع ما تفعله إيران عبر العلاقات الطبيعية للدول لايعني ان الأردن لن يتعامل بل ويتعامل باساليب اخرى لحماية امنه فما لا تأتي به السياسة تأتي به امور اخرى.