ما بين فكي الشيطان!

نادية إبراهيم القيسي

خافقات أعلامنا فوق هام السحاب ومُزنها ترفرف عالياً راياتنا بشموخٍ قاهر لخطب المنون وريبه تصدح بفخر نحن باقون صامدون هاهنا نعتنق أقدارنا ذودًا عن عقيدتنا ومعتقداتنا فداء وطن حُملت أمانته في أعناقنا و استقر عشقه في حنايانا فسرى ولاؤه منذ الأزل في عروقنا لنسطر ملحمة أبدية نُقشت بمسك الدماء الطاهرة التي خطت بالعز والمجد أشبار حدودنا جواً براً و بحراً. هو الأردن أرض الشرفاء الأحرار مملكة النشامى أهل الكرامة والشهامة مضرب المثل في التضحية والإيثار المجير لكل من استجار مهما تكالبت الصعاب و تفاقمت على مر الزمن.

 

هو الأردن المفصل الجيوسياسي الاستراتيجي الذي يقف حائلاً دون تحقيق أحلام الطواغيت المتناحرة في منطقة الشرق الأوسط ما بين المشروع الصهيوني (من الفرات إلى النيل) الذي ينافس ظاهرياً المشروع الإيراني الفارسي (هلال المد الشيعي) وما بين طموح النفوذ الأميركي وصراع المصالح المتأجج مع النفوذ الروسي الصيني وحتى في مواجهة المشروع العلماني العثماني المستتر بالفترات الزمنية الأخيرة بوشاح التدين لنيل الشعبية الإقليمية وتحقيق المطامع بالتعاطف والتكاتف الإسلامي المفترض ثم لتأتي من بين كل هذه القوي المتضاربة بعض المطامع التوسعية لامتدادات عربية تحت مسمى الاستثمار الاقتصادي العالمي بنية عقد سلاسل العبودية الحديثة المتمثلة بالديون المعونات والإمدادات النفطية.

إن الأردن وعبر العقود المتتالية يحيا في قلب كل هذه المؤامرات المتعاقبة التي تسعى دوماً للنيل من ثباته و وحده نسيجه المجتمعي المترابط الذي يقف سداً منيعاً خلف قيادته في كل ما تقتضيه مصالح الوطن والدفاع عن ثوابته وجوده وحدوده. لتزداد هذه المكائد شراسة و ضراوة بسبب المواقف الأردنية المشرفة إتجاه القضية الفلسطينية و دعمها المتواصل بكافة السبل الممكنة. فما الذي يحدث الآن و لماذا؟!

منذ أن بدأت الحرب الأخيرة في غزة إنقلبت الموازيين وتغيرت الأيديولوجية العالمية اتجاه القضية الفلسطينية حيث وصل الكيان الصهيوني الغاصب لحد فاصل في هذه الحرب ينذر بالانهيار الكامل بتزايد وتيرة الضغوطات وأهمها على محاور جبهته الداخلية وانقسام قياداته السياسية لطول أمد مجريات الحرب ونتائجها الكارثية المهددة لمصالحهم على كافة الصعد. فكان لا بد من استدراج واستخدام أوراق رابحة تعيد التوازن نوعاً ما للكيان الصهيونى وإطالة عمر الحكومة اليمينية المتطرفة المتوحشة وتبرير ما ترتكبه من جرائم ضد الانسانية بما تقوم به من إبادة للشعب الفلسطيني تحت مسمى قمع المقاومة. فكانت الورقة الرابحة الذهبية هي الاستعانه بالأخوة الأعداء (الجمهورية الإيرانية) لإحداث مسرحية هزلية ركيكة لا تستحق حتى الخوض في تفاصيلها تستهدف إخماد الغضب الداخلي والخارجي ضد الكيان الصهيوني المحتل وحكومته وتعظيم مخاطر انهزامه لاستدرار التأييد العالمي من جديد واسترجاع وحدة الصف الداخلي الصهيوني. فالعلاقات الإيرانية الإسرائيلية برغم العداء الظاهر والصراع الاقليمي المعلن إلا إنه وعبر التاريخ وحتى يومنا هذا لها وجه آخر خفي بما تقتضيه مصالحهم المشتركة.

أليس بلاد فارس هي أرض الملك كورش مخلص اليهود الأول ولهم فيها العديد من مواطن التقديس؟ أليس اليهود المنافقين ممن أدعوا الإسلام هم من أسس المذهب الشيعي لزرع الفتنة النزاع والشقاق في صفوف المسلمين؟ أليس يهود أصفهان هم من مكونات الكيان الصهيوني المحتل؟ ألا يوجد في إيران تجمعات يهودية عريقة محمية بالقوانين وذات نفوذ مع القيادات الإيرانية حيث تمارس بكل حرية شعائرها الدينية مقابل الحرمان التام للمسلمين السنة من كافة حقوقهم الشعائرية؟.

وماذا عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارات اليهودية الاسرائيلية الإيرانية المشتركة العالمية و خاصة في مجالات النفط والطاقة؟؟. إنهم أخوة و ليسوا بالأعداء أبداً فماذا يحيكون لنا في دهاليز الظلام الحالكات؟ هل مؤامرة الشرق الأوسط الجديد تسعى لوحدة الصف الإيراني الإسرائيلي بصفقة سلام واهية جديدة بعد إحداث زوبعات زائفة لتكوين ائتلافات إقليمية جديدة تثقل الميزان الأميركي الأوروبي ضد التحالف الروسي الصيني الممتد النفوذ؟!! هل ستبدي الأيام القادمة حقيقة كل هذا الهرج والمرج الذي طال طغيانه؟ وهل ستتوقف المحاولات البائسة اليائسة سواء الصهيونية أو الفارسية لإقحام الأردن في هذه الصراعات المختلقة تحت مختلف المسميات لتحقيق المطامع اليهودية والشيعية بأذرعها المختلفة التي لا تتوانى عن تقمص الأدوار المتنوعة لتحقيق مآربها الاستيطانية الجشعة؟؟ فما بين تقديم كافة الاغراءات والتسهيلات المرفوضة أردنياً قيادةً وشعباً لفتح باب الحج للمزارات الشيعية في الأردن إلى إثارة الفتن الداخلية والخارجية و ممارسة كافة الضغوطات المتباينة أملاً في اختراق مناعة الصد في المواقف الأردنية الصلبة المشرفة.

ألا يعقلون أن لنا العبرة البالغة فيما آل له حال بعض الدول العربية الشقيقة من الاستعمار الإيراني الفارسي تحت المسمى العقائدي والاقتصادي الذي استنزف خيرات هذه الأوطان وقوض أغلب مقوماتها فعاث فيها دماراً و شتاتاً بكافة الأشكال ليحولها لمعاقل تجارة الموت و لثكنات مليشيات مسيرة مرهونة بتبعيتها لولاية الإمام؟؟ لتكون قواعد يُحارب من خلالها لتحقيق مآرب طموحات الهلال الشيعي دون أي مساس حقيقي لإيران أرضاً قيادة و شعباً.

إن الأردن لن يكون ساحة معارك لأي حرب إقليمية وتصفية حسابات وهمية في مسرحية عالمية مبتذلة ولن يكون أبداً لقمة سائغة تُلتهم ما بين فكي الشيطان الخادم في محراب الشر الأعظم ومخططاته للهيمنة العالمية. فالأردن كان وسيبقى سيفاً هاشمياً عربياً مسلولاً مسلطاً بحزم و شدة فوق رقاب كل من تسول لهم أنفسهم العبث في استقرار هذا البلد الآمن قاطعاً أعناق كل من يسعى لتحقيق مطامع خبيثة أو التعرض بأي شكل كان لكل ما تقف خلفه المملكة الأردنية الهاشمية من مبادئ عقائدية وقيم ممتدة ملتفين شعباً وقيادةً كما هو العهد بنا تحت رايتنا الخالدة الله الوطن المليك تحت الراية الهاشمية دائماً وأبداً. والله دوماً من وراء القصد