تواقيت حرجة يواجهها الأردن

ماهر أبو طير 

تحاور الشقيق العربي الذي يعمل في الأردن منذ سنوات طويلة فيقسم لك وهو صادق على ما أحسبه، إنه لم يعمل إلا 12 يوما منذ حرب غزة، لأن أغلب البناء توقف في الأردن.

 

هذا نموذج لمعاناة شقيق سوري، كان يعمل يوميا بشكل طبيعي، لكنه اليوم يسرد لك تأثيرات حرب غزة عليه مباشرة، وحاله هو حال أغلب الأردنيين الذين يواجهون إشكالات في القطاع الخاص الذي لا يعمل كما يجب منذ حرب غزة، فالمبيعات انخفضت، والسيولة قلت بين أيدي كثيرين، وسياسة التحوط ما تزال طاغية على سلوكيات الناس، خوفا من المستقبل، وفي حالات كثيرة من باب تغير الأولويات أمام ما يراه الناس يوميا، من مذابح ومجازر في كل مكان.


لكن القصة ليست غزة، فالانفاق من حيث المبدأ يكون في أعلى مستوياته في عمان والزرقاء وإربد، لأن غالبية أهل هذه المدن يعملون في القطاع الخاص، فيما الإنفاق أقل في بقية المحافظات كون الأغلبية تعتمد على رواتب محددة من خلال عملهم في القطاع العام، والقصة هنا ليست تقسيما طبقيا، بل تعبيرا عن مشهد اجتماعي اقتصادي له جذور مختلفة.


سألت كثيرين عن فترة رمضان والعيد، والكل تحدث بطريقة موحدة، عن تراجع كل شيء، حتى برغم المظاهر التي قد تراها في الأسواق والمولات والمطاعم، حيث تعبر عن طبقة محدودة.


 لكن الأدهى والأمر أن ملفين جديدين دخلا على خط التحوط، أولهما الهجمات الإسرائيلية على قرى الضفة الغربية، وهي هجمات حرقت وقتلت وارتكبت جرائم غير مسبوقة، بما أعاد تجدد سيناريو امتداد الحرب إلى الضفة الغربية، وبالتالي فتح الأخطار نحو الأردن مجددا، والثاني الضربة الإيرانية للاحتلال الإسرائيلي وعبور الصواريخ والمسيرات لسماء الأردن، ومواصلتها للرحلة أو إسقاطها، وتهديدات إسرائيل بالرد أيضا، حيث يجد الأردن نفسه وسط الحريق معرضا لأخطار شديدة، لأن المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية قد تخرج عن قواعدها الشفوية غير المكتوبة في أي لحظة لنجد أنفسنا وسط حريق إقليمي لا يبقي ولا يذر.


كيف يمكن أن يسترد الأردن عافيته أمام كل هذه الأزمات المركبة، وهي إزمات تؤدي إلى التأثير على الدولة أيضا، لقلة الضرائب أو تراجعها، وقلة تحصيل الجمارك أو تراجعها، لأن الكل يدرك أن الشعب هو الذي يغذي الخزينة من خلال البيع والشراء، عبر التجار الذين يستوردون، ويدفعون ما عليهم، وهذا يعني أن كل الحلقات متصلة معا، والتأثير يمتد من الفرد إلى الفرد، ومن الفرد إلى الجماعة، ومن الجماعة إلى الفرد، ومن المواطن إلى المقيم.


هذه نبرة قد تبدو سلبية بنظر المتفائلين في عمان وشقيقاتها، لكن هذا هو الواقع، وهو واقع نرى كلفته في مواصلة الاقتراض وزيادة العجز ونحن ما نزال في بداية العام المالي، فيما كل الحلول المتاحة مثل تغذية القطاع الخاص بأموال الناس من الضمان الاجتماعي تبدو مستحيلة قانونيا وفنياً، هذه الأيام، وهذا يعني أن الأردن سيبقى في وضع حرج حتى تتوقف الحرب، التي تبرق كل يومين باحتمالات توسعها وتمددها، بما يهدد الاردن ودول ثانية بشكل أعمى وخطير.


لو سألني أحد الجالسين على كراسيهم عن الحلول التي اقترحها هنا، فلا إجابة لدي، لأن الإجابة يجب أن تأتي من هؤلاء الذين كتب القدر وجودهم مسؤولين، لكن يتوجب التنبه إلى التأثيرات المعنوية في الأردن والكلف الضاغطة اقتصاديا على البلد وعصبه العام، خاصة، أن لا أحد يختلف فينا مع الآخر على أننا كلنا نريد للأردن أن يسلم من كل هذه الحرائق، وهي حرائق لا تتراجع نيرانها، ولا أدخنتها للأسف الشديد، وسط إقليم يتفرج فيه الكل على الكل بلا أدنى قراءة إستراتيجية لكلف ضعف أي دولة فيه، على مجمل دول الأقليم المتفرجة على المكروبين والمكروبات، الذي لا يعرفون أين المفر من كل هذه التواقيت الحرجة ؟