إسرائيل تختبر سيناريوهات الأقصى

ماهر أبو طير 

ارتفع عدد المصلين داخل المسجد الأقصى إلى قرابة مائتي ألف شخص في ليلة القدر، والرقم يبدو مرتفعا مقارنة بأيام الجمع التي مرت في رمضان الحالي، وأقل من العدد المعتاد في رمضان خلال السنين الماضية، والسبب يرتبط كما هو معروف بظروف الحرب في قطاع غزة.

 

 

لكن هل التقديرات السياسية للموقف داخل الحرم القدسي، ترتبط فقط بعدد المصلين فقط، وبطبيعة الإجراءات الإسرائيلية المتغيرة، فيشتد التوتر حين تتزايد الإجراءات الإسرائيلية السلبية ضد الفلسطينيين، أو حين يتم تقييد الدخول إلى المسجد الأقصى، فيما يشعر آخرون بالاستقرار حين تخف الإجراءات الإسرائيلية، ويتدفق الناس بشكل طبيعي نحو الحرم القدسي للصلاة؟

 

بطبيعة الحال الأمر يرتبط بأكثر من محدد، الأول أن الإجراءات الإسرائيلية ترتبط بالوضع الأمني، والتقييدات التي وقعت هذا العام، كانت انتقامية على خلفية ملف قطاع غزة، وشملت كل أوجه الحياة في مدينة القدس، وليس مجرد حق الوصول إلى المسجد الأقصى، فيما تخفيف الإجراءات حتى ارتفع عدد المصلين إلى 200 ألف مصل في ليلة القدر يرتبط من جهة ثانية بالرغبة بعدم التوطئة لانفجار أمني في المدينة المحتلة، أي أن الإجراءات تحولت إلى تنفيس الغضب، ومحاولة استيعاب ردود الفعل الشعبية إزاء ما يجري في الحرم القدسي وجواره.

الثاني أن إسرائيل في الإجراءات السابقة، أي التقييد ثم التخفيف الجزئي، تريد تأكيد سيادتها السياسية على الحرم القدسي، فهي التي تتحكم بكل حركة الحياة داخل الحرم القدسي، وتدفق او عدم تدفق المصلين إليه، والقصة هنا لها أوجه سياسية، وأمنية، ترتبط بسيطرة إسرائيل داخل القدس، وهذه السيطرة يتم تعزيزها بتغيير الإجراءات وتقلبها، إضافة إلى التواجد الأمني والعسكري عند بوابات الدخول إلى الحرم القدسي، وتحديد الأعمار والفئات، والتحكم أيضا بأي زيارات لوفود أو شخصيات من فلسطين التاريخية، أو حتى من أي موقع آخر، إضافة إلى الملاحقات بحق كثيرين داخل الحرم القدسي، ودخوله عسكريا، وتنفيذ عمليات إطلاق نار داخله، والتكسير والتخريب، التي تؤدي كل مرة الى العمل على الترميم الذي تمنعه إسرائيل. 

المحدد الثالث يرتبط بالنظرة الإسرائيلية الى كل موقع الحرم القدسي، من ناحية استراتيجية، وماذا يمثل في المشروع الإسرائيلي، من حيث سعي الجماعات الدينية الإسرائيلية إلى مواصلة الاقتحامات تأكيدا للعلاقة بين الإسرائيليين والموقع، في سياقات التمهيد لهدم أحد المسجدين القبلي أو مسجد قبة الصخرة، أو السطو على المساحات الفارغة، حيث يمتد الحرم على مساحة 144 دونما تتوفر بها مساحات فارغة كثيرة، من أجل تهويد الموقع، وإقامة هيكل سليمان، وهذا يرتبط من ناحية ثانية بخطط لجماعات دينية إسرائيلية لممارسة طقوس محددة داخل الحرم القدسي، تفتح الباب للتغييرات الأكبر في سياقات تعزيز هوية المدينة المحتلة، كمدينة إسرائيلية، وربط ذلك بجذور تاريخية لا أدلة عليها أصلا، وهذا المحدد الثالث يلتقي مع توجهات الفريق السياسي والتشريعي الذي يحكم إسرائيل وأجنحته الأمنية والعسكرية والإعلامية.

كل ما سبق يقول إن استغراقنا في الشعور بالغضب أو الانفراج وفقا للعبة الأرقام الإسرائيلية وارتفاعها وانخفاضها، أمر لا يلغي حقيقة الخطر الدائم على الأقصى، ولا يخفضه، فنحن أمام إدارة إسرائيلية تتعمد اختبار كل السيناريوهات، والتلاعب بالأرقام وفقا للمراحل، دون أي إلغاء إسرائيلي للسيناريو الإستراتيجي داخل المسجد الأقصى، وهو ما يتم التحذير منه دوما.

علينا أن ننتظر ما ستأتي به الأيام المقبلة.